الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي خانني وابتعد عني وأهملني ثم طلقني والآن يريد الرجوع!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة على قدرٍ عالٍ من الجمال، والأخلاق، والأدب، تزوّجت، وبعد مرور شهر على الزواج، اكتشفت أن زوجي قد أنشأ حسابًا في تطبيقات الزواج، وكتب في تعريفه الشخصي أنه "منفصل ويبحث عن زوجة مناسبة له"، فقررت ألَّا أواجهه مباشرة، بل أراقب تصرفاته وأفهم الدوافع بهدوء.

خلال تلك الفترة، بدأ يبتعد عني عمدًا، ويهملني، ويقصّر في حقي، رغم أنه كان يُعطيني المصروف ويهتم بمواصلاتي أحيانًا، إلَّا أن الغالب في سلوكه كان البرود والجفاء، وفي بعض المرات، كان يعود إليّ وكأنه مشتاق، ولكنها كانت لحظات نادرة.

كنت كلما سألته عن سبب هذا التغيّر، يقول لي: "أنت السبب، أنتِ هادئة، لا أحب الجلوس معك"، وإن سألته صراحةً إن كان يفكر بالانفصال، يجيبني بأنه "اتخذ القرار، لكن ليس على عجلة من أمره"! وعند النقاش، كان يرفع صوته، ثم يهجرني، ويغضب عليّ.

وأثناء محاولتي لفهم ما يجري، اكتشفت أنه ما زال يتحدث مع فتيات أخريات، وأن هذه السلوكيات كانت موجودة لديه حتى قبل الزواج، وكأنها إدمان.

كما علمت أنه كثير السفر إلى دول مشبوهة، وفي أحد الأيام أجبرني على العودة إلى بيت أهلي، وعرفت لاحقًا أنه سافر إلى دولة خليجية مجاورة.

حينها صارحتُه بأن أسلوبه وتعامله يؤذيانني، وسألته للمرة الأخيرة: إن كان ينوي تعديل سلوكه، أو أن لا جدوى من الاستمرار، فقال لي: "إذًا، اذهبي إلى أهلك"، فذهبت، منتظرة أن يراجع نفسه ويستشعر خطأه.

وبعد ثلاثة أسابيع اتصل بي وقال: "لو أنكِ تغيّرتِ... لكن لا أظن أنني أستطيع الاستمرار معك، وإن أردتِ، يمكن أن نمنح الأمر فرصة"، ثم أغلق الخط، وبعد أسبوع وصلتني وثيقة الطلاق دون سابق إنذار، ودون أن يكلّف نفسه حتى بمحادثتي.

كل هذا حدث، وأنا لم أصارحه بمعرفتي بخيانته، وبعد وقوع الطلاق، أرسلت إليه رسالة أخبرته فيها أنني كنت أعلم بخيانته، وبأنني صبرت وتحملت كثيرًا، وأني أحمد الله على نهاية هذا الزواج، فما كان منه إلَّا أن قام بحظري، وقررتُ أن أخبر أهله وبعض المقربين بما فعله بي.

ثم بعد مضي شهر عاد ليراسلني، وحين أجبته قال إنه نادم ويريد أن يُعيدني!

لا أعلم ما رأيكم في هذا الموقف، هل كان الانفصال هو القرار الأنسب؟ علمًا أن زواجي لم يستمر إلَّا أربعة أشهر.

هل أعود إليه، رغم أنه أساء معاملتي، ولَم يقدّرني، وكان يحمّلني المسؤولية، ويخونني؟ بالإضافة إلى أن الجميع اليوم يعلم بخيانته، وأشعر بالخزي من العودة إليه بعد كل ما حدث.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يهدي هذا الرجل لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو، وأن يصرف عنه سيئ الأخلاق والأعمال لا يصرف السيئة إلَّا هو.

نحن بدايةً نعتبركِ من بناتنا وأخواتنا، ولا نؤيد فكرة الرجوع بسرعة لهذا الرجل، إلَّا إذا تأكدتِ من توبته ورجوعه إلى الله -تبارك وتعالى- وتصحيح الأخطاء التي يقع فيها؛ لأن مثل هذه الأمور تحتاج إلى وقت، ولا بد للتوبة من علامات تظهر عليه.

وأرجو أن يكون لمُحارِمكِ دور في هذه المسألة، طالما أصبح الكلام معروفًا لأهلك ولأهله؛ فإن متابعة سيرته وصلاته وتوبته، هذه من الأمور الأساسية، فلا نؤيد فكرة الاستعجال في العودة إليه قبل أن تتأكدي من أنه ترك هذه الأشياء التي كان يقوم بها ويفعلها، خاصةً إذا لاحظنا المعاملة السيئة والإهمال الذي حدث إبّان وجودكِ معه في البيت، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يقدّر لكِ الخير، ثم يُرضيكِ به.

ونحب أن نذكر أيضًا أننا في مثل هذه الأشياء بحاجة إلى أن نبحث، خاصةً أولياء المرأة، ونتأكد من صلاح الشاب المتقدّم، ونتأكد من سيرته، وسؤال أصحابه، يعني نوسِّع دائرة السؤال، ومن حقهم أن يسألوا عنَّا.

لكن على كل حال، هذا الذي حدث فيه درس، والإنسان يستفيد من دروسه وتجاربه في الحياة، وأنتِ تُشكَرين على الصبر والمُحاولات التي حدثت منكِ، وإذا كنتِ قد وصلتِ لهذه المرحلة، وأرسل إليكِ وثيقة طلاق، نكرر دعوتنا لكِ بعدم الاستعجال؛ حتى تتأكدوا أن التغيير حاصل فعلًا، وأنه نادم فعلًا، وأنه ترك تلك الممارسات الخاطئة، فإن الإدمان عليها سيكون خصمًا على السعادة الزوجية، ما لم يتب إلى الله توبة نصوحًا، ونسأل الله أن يعينكِ على الخير.

وكما قلنا، أنتِ مثل بناتنا، وهذا الخيار الذي نرضاه لكِ: لا بد من التأني قبل الرجوع؛ للتأكد من أنه فعلًا عازم على أن يستأنف حياة جديدة صحيحة معافاة، ليس فيها هذه الخيانات ولا تلك التجاوزات.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً