الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تنتابني وساوس التعرض للأذى من الناس وتدفعني لقطع علاقتي بهم!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قصتي معقدة قليلًا، وهي كالآتي: قبل نحو شهر – والحمد لله – أصبحتُ أقرب إلى الله، وازددت التزامًا بالصلاة والنوافل والذِّكر، وشعرتُ بانشراح في الصدر وطمأنينة جميلة، لكن بعد ذلك، وقبل أيام، بدأت تأتيني مخاوف ووساوس من أن أتأذى من قبل أحد، أو أن لا يُستجاب دعائي.

حاولت أن أحارب هذه الأفكار، وأن أحسن الظن بالله، لكن تلك الوساوس أصبحت مزعجة للغاية، حتى بكيت كثيرًا؛ لأنني أريد أن أكون محسنة الظن بالله، متوكلة عليه، وألا تراودني هذه الأفكار المقلقة.

أصبحت تأتيني أفكار تدفعني إلى قطع علاقتي بصديقتي خوفًا من أن أتأذى منها، مع أنني أعلم أن هذا لا يجوز، وأحاول جاهدًة أن أحارب هذه الأفكار.

لا أريد أن أتوتّر أو أقلق، ولا أن أكون – لا قدر الله – من القانطين من رحمة الله، لكني تعبت حقًا، مع أنني ما زلت مواظبة على صلاة الضحى، وقيام الليل، والشفع والوتر، والسنن بعد الصلوات، إلى جانب وردي اليومي من الذكر، وأحاول قراءة سورة البقرة قدر المستطاع.

أرجو أن تفيدوني:
كيف أتخلّص من هذه الوساوس والقلق من كل شيء؟ وكيف أزيد من طمأنينتي وثقتي وتوكّلي على الله في كل أموري؟

مع أنني أحاول بشتى الطرق، إلا أن أكثر ما يؤلمني هو خوفي من أن لا أكون محسنة الظن بالله، أو أن أكون –لا قدر الله– من القانطين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ندين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ في إسلام ويب، نحيّي فيكِ صدقكِ وإقبالكِ على الله، ونسأل الله أن يربط على قلبك، ويملأه نورًا ويقينًا، ويبدّل خوفكِ أمنًا، وهمَّكِ طمأنينة.

كثيرًا ما يمرّ الإنسان في حياته بلحظات يقظة قلبية، يعود فيها إلى الله، ويتذوّق طعم القرب والطاعة، ويشعر بانشراح صدر وطمأنينة لا تُوصف، لكن هذه اللحظات المباركة قد يُعكّر صفوها وساوس أو مخاوف غير مبرّرة، تهاجم النفس وتربكها، وتحاول أن تجرّ صاحبها إلى الحزن أو القلق أو سوء الظن بربّه الكريم.

وهنا، تظهر أهمية التوجيه الصحيح، والمساندة النفسية والروحية المتزنة، التي تعيد للنفس توازنها وطمأنينتها، وفيما يلي نعرض نصًّا جامعًا يقدّم النصح والتثبيت، ويُعالج هذه الحالة بلطف ووضوح، اعتمادًا على ما ثبت من هدي النبي ﷺ، ومبادئ التربية الإيمانية السليمة.

أختنا الكريمة، قصتكِ ليست معقدة كما تظنين، بل هي قصة قلبٍ اقترب من الله، فاستنفر له الشيطان والهوى والوساوس ليقطعه عن هذا الطريق، وما تمرين به مرّ به كثيرون ممن ساروا إلى الله بجدّ، فاختبرهم الله ببعض الضيق والخوف والوساوس، فثبتوا فثبّتهم الله، فاطمئني ولا تقلقي.

هذه الوساوس ليست دليل ضعف إيمان، بل على العكس، هي علامة على حياة القلب، فقد قال النبي ﷺ حين شكا له بعض الصحابة وساوسَ شديدة: «ذاك صريح الإيمان»، أي أن مجرّد تأذيك منها وبكاءك بسببها، ومحاربتك لها، يدلّ على صدق إيمانك، لا على ضعفه.

فلا تخافي ما دمت تكرهين هذه الأفكار وتدافعينها، فأنتِ في خير عظيم بإذن الله، ولا تسمحي للشيطان أن يخدعك، فيقول لكِ: "أنتِ قانطة" أو "لا تُحسنين الظن"، فذلك من كيده وليس وصف حالك.

الوساوس التي تدفعك للخوف من الناس أو من إيذائهم، أو لقطع العلاقات دون سبب ظاهر، هي وساوس قهرية هجومية، وليست هذه مشاعر قلبية ناضجة، بل صور من الوسواس القهري الفكري الذي يُصيب القلوب الطيبة الرقيقة، فلا تصدّقيها، ولا تبني عليها قرارات، بل قولي: "اللهم إني أعوذ بك من وساوس الشيطان وكيد النفس"، واشتغلي عنها بالذكر، أو العمل، أو الصحبة الطيبة.

ومن رحمة الله بك أنه جعلكِ مواظبة على الطاعات؛ فحين تقولين إنك تصلين الضحى وقيام الليل، وتقرئين سورة البقرة، وتريدين إحسان الظن بالله، فهذا كله جهد صادق لا يضيع عند الله، بل هو دليل على يقظة قلبك، وصدق نيتك.

ولذلك: ينبغي أن تعلمي أن الله لا يساوي بين من أقبل عليه، وسهر وبكى واجتهد، وبين من أعرض أو عصى أو تكاسل، فهل يُعقل أن يرى الله منك كل هذا الإخلاص، ثم يعاملك كمن يلهو أو ينسى؟! أبدًا؛ بل إن الله سبحانه وعد بالخير والثواب لكل من أحسن، فقال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ﴾.

حتى تزداد طمأنينتك وثقتك بالله، أكثري من الدعاء بتضرّع، وقولي: "اللهم اجعلني من أحسن عبادك ظنًا بك، وأقواهم توكّلًا، وأثبتهم يقينًا، وأبعدهم عن كيد الشيطان"، وكرري بصوت مسموع عبارات مطمئنة مثل: "الله لا يضيعني"، "ربي أرحم بي من نفسي"، "أنا في حفظ الله لا في تهديد الناس"، "ما كتبه الله لي فهو الخير"، هذا التكرار يعيد برمجة العقل الباطن، ويكسر حلقة الوسواس.

ارفقي بنفسك، ولا تؤنّبيها على الوساوس. لا تقولي: "أنا لا أُحسن الظن"، بل قولي: "أنا أجتهد في إحسان الظن، والله يعلم صدقي"، و"سيكافئني الله على هذا الجهاد حتى أصل إلى الطمأنينة".

كذلك لا تنسحبي من العلاقات الطيبة، ولا تعتزلي الناس بدافع الخوف أو الحذر غير المبرر، الشيطان يحب العزلة، ويغريكِ بالابتعاد، لكن القاعدة هي: إن كانت العلاقة طيبة ولا يظهر فيها أذى، فلا تقطعيها، ولا تلتفتي للظنون.

واطمئني، فقد قال الله: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾. هذه الآيات جاءت لتطمئنك، وتقول لك: لا تقلقي؛ فهذه فترة عابرة، تزول بصبرك وثباتك، والله سيجبرك جبرًا عظيمًا.

نسأل الله أن يبارك فيك، ويحفظك، ويقدّر لك الخير حيث كان. والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً