الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحتُ أتشهد وأستغفر بشكل يومي بسبب الوساوس!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابٌّ أحاول أن أكون مستقيمًا في العبادة، ولكن منذ حوالي سنتين أُصِبتُ بالوساوس، التي تكون مرةً في الطهارة، ومرةً في الوضوء، ومرةً في الصلاة، والآن لا أدري: هل هذا وسواس أم لا؟

عندما أتكلم بكلامٍ عادي أشعر أنني قد كفرتُ؛ مثلًا: عندما أقول لشخص: "أنا معك"، أشعر أنني قد أكون خرجتُ عن الملة، وكذلك عندما أقول أثناء لعبي لعبةً إلكترونية: "لقد متُّ"، أشعر أنني قد كفرتُ؛ لأن الموت في الحقيقة فقط، وليس في الألعاب.

وأقول أحيانًا: "يا حرام" (استهزاءً بشخص)، وكذلك عندما ألعب كرة القدم، فإذا ضيّع لاعبٌ من الفريق هدفًا، أقول له: "حرام عليك"، فهل هذا حرام؟

وصرتُ أتجنّب ذكر اسم الله في المزاح، ليس استهزاءً باسم الله، ولكن لشعوري أن ذكري لله قد يكون كفرًا إذا ذكرته في مواضع اللعب والمزاح، وأصبحتُ أتشهد وأستغفر شبه يومي بسبب هذه الحالة.

وهناك موقف حصل لي وأريد أن أعرف: هل هو استهزاءٌ بالدين أم لا؟
كنتُ أقف أنا وشخصين في الطريق، وكنا نتحدث عن المعلمين في المنصات والمدارس، فقام أحدهما بتقليد معلمٍ رآه يدعو للطلاب بالنجاح، فرفع يديه وأخذ يقلّد طريقة دعائه باستهزاء وهو يقول: "يا رب يا رب"، فضحكتُ، فهل يُعدّ هذا استهزاءً بالدين؟

وأمرٌ آخر: إذا كنتُ أتكلم فقلتُ: "لقد منعني كذا وكذا"، ثم تذكّرتُ أن الله هو الذي يمنع، فهل هذا كفرٌ أو شرك؟ وهل ذكر اسم الله أثناء لعب الألعاب الإلكترونية يُعدّ استهزاءً؟ وهل يكفر من يُكثر من الحلف؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك -أخي الكريم- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول مستعينًا بالله تعالى:

• كلُّ ما ذكرتَه من الوساوس إنما هو من كيد الشيطان، يريد أن يُفسد عليك حياتك ودينك، ولذلك يأتيك في كل وقت ليقول لك: كفرتَ، أو أشركتَ، أو يُلبّس عليك في الطهارة والصلاة، ولهذا نوصيك بما يلي إن أردتَ الخروج ممّا أنت فيه، بما يلي:

1. لا تُصغِ لوساوس الشيطان الرجيم؛ فإن الشيطان يأتي لكلّ أحد، وطريقته في اختبار الناس أن يبدأ بالوسوسة، فإن أصغى له الشخصُ عَلِمَ أنه ضعيف، وأنه يمكن أن يُغويه، فيفرح به أشدَّ الفرح.
الخطوة الثانية للشيطان الرجيم: أن يُحاوِر الإنسان؛ فإن استجاب له وبدأ بمُحاورته، أظهر الشيطانُ نفسه كناصحٍ أمين، فيقول له: "أنت لم تُحسِن غسلَ هذا العضو، اغسله مرةً أخرى"، فإذا استجاب، قال له: "زد مرةً أخرى"، حتى يظلّ يتوضأ ويعيد، وقد ينتقل به من العضو الذي غسله إلى عضو آخر غسله من قبل، حتى إن بعضهم يُوشك أن يخرج وقتُ الصلاة وهو لا يزال يتوضأ.

وهكذا يفعل في تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والتسبيح، والتشهد؛ حتى يصل الأمر ببعض الناس إلى أن يترك الوضوء، ويلجأ إلى التيمم مع القدرة على استعمال الماء، وربما ترك بعضهم الصلاة -والعياذ بالله-، وكلّ ذلك استجابةً للوسواس.

حتى الصحابة رضي الله عنهم لم يسلموا من الوسواس؛ فقد جاء في الحديث: (جاء ناسٌ من أصحاب النبي ﷺ، فقالوا: يا رسول الله، إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدُنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريحُ الإيمان)، ومعناه: أن استعظام هذا الأمر، وشدة الخوف منه، إنما يكون لمن استكمل الإيمان، وانتفت عنه الشكوك.

2. إذا وسوس لك الشيطان، فبادر بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وامتثل توجيه النبي ﷺ: (يأتي الشيطانُ أحدَكم، فيقول: مَن خلق كذا؟ حتى يقول له: مَن خلق ربَّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعِذ بالله ولينتهِ)، وفي رواية: (فليقل: آمنتُ بالله).

من مخاطر الوساوس الشيطانية، أنها قد تُفسد على الإنسان عقيدته، لذا وجَّهنا النبي ﷺ بالاستعاذة والانتهاء، أي الإعراض عن هذا الخاطر الباطل، والالتجاء إلى الله في دفعه.

3- الشيطان حريص على إغواء بني آدم، وصرفهم عن عبادة ربهم، والوساوس من أبرز مداخل الشيطان؛ لكنّ الله تعالى بيّن لنا سُبُل النجاة منها، ومن ذلك المحافظة على أذكار الدخول إلى المسجد، كأن تقول: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم"، فإذا قلتها تنحّى عنك الشيطان.

قد يصل الحال ببعض الموسوسين إلى أن يشكّ في كل عبادة يقوم بها، هل أداها أم لا؟ بل قد يترك العبادة هربًا من ملاحقة الوساوس، وهو ما يريده الشيطان ليُبعده عن دينه.

4. مما يُعين على طرد الشيطان والتحصن من وساوسه:
- قراءة سورة البقرة في البيت؛ فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة.
- قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كل ليلة؛ لقوله ﷺ: (الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلةٍ كفتاه)، أي كفتاه من الشيطان وغيره.
- أكثر من دعاء ذي النون: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين"؛ فقد أخبر النبي ﷺ أنه ما دعا بها مكروبٌ إلا استُجيب له.
- لا تختلِ بنفسك؛ بل عش مع أسرتك، ولا تنم منفردًاP فإن الشيطان يستفرد بالمنعزل ويكثر عليه الوساوس.
- لا تمكث في الحمام إلا بقدر الحاجة؛ فإن الشيطان يحبّ الأماكن الخبيثة، ومن السنّة أن تقول عند الدخول: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".
- عند خروجك من البيت، قل: "بسم الله، توكلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله"، فهي تقيك من الشيطان بإذن الله.
- حافظ على أذكار دخول البيت؛ كأن تقول: "بسم الله"، أو تُسلّم على أهلك، فهي بركةٌ لك ولأهلك، وتمنع الشيطان من دخول البيت.
- إذا جاءك الوسواس في مكان، فقم منه وانتقل إلى مكانٍ آخر، وأشغل نفسك بعملٍ نافع.
- حافظ على أذكار اليوم والليلة؛ ففيها تحصينٌ من الشيطان ووساوسه.
- أكثر من التضرع بالدعاء في أوقات الاستجابة، واسأل الله تعالى أن يصرف عنك الشيطان ووساوسه.

اعلم أن الشيطان ضعيف، وأنك قادر بإذن الله على دفعه والانتصار عليه، فقط ابدأ بالخطوات العملية ولا تستسلم، نسأل الله تعالى أن يصرف عنك الشيطان الرجيم ووساوسه، وأن يشرح صدرك، ويثبتك على الإيمان، إنه سميعٌ مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً