الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القلق الاجتماعي يعزلني عن الحياة والناس، فكيف أقاومه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يرجى الإجابة عن هذه الرسالة من قبل الدكتور/ محمد عبد العليم.

الدكتور/ الفاضل محمد: وفقك الله، أنا أعاني من قلق اجتماعي وتقدير ذات منخفض، وذلك بسبب التنشئة القاسية، فمنذ أن كنت طفلًا ومراهقًا، كان أخي يضربني ويصفني بأقذر الألفاظ، إضافة إلى الانتقاد والإهانات والتخويف والقهر والتسلط، وغير ذلك من الأمور، فضلًا عن الجو العائلي والظروف المحيطة.

وبسبب الماضي والحاضر الذي أعيشه في معاناة مستمرة، أعاني أيضًا من الاكتئاب.

عندما أكون بين الناس لا يتوقف تفكيري، وحتى بعد أن يغادروا، أبدأ بصناعة سيناريوهات وأفكر وأحلل، ثم أنتقل إلى موضوع، ثم إلى تفاصيل التفاصيل، ثم إلى موضوع آخر، وتستمر الحالة نفسها، وأربط الأشياء بطريقة غير منطقية وغير سليمة، وأظل أفكر بهذه الطريقة، وهذا الكم الهائل من التفكير يُؤثِّر على سلوكي ومشاعري وشخصيتي.

أشعر وكأنني مجبر على التفكير، أو أني فاقد السيطرة، أو أن هناك شيئًا داخليًا يحب هذا النمط من التفكير، وعلى الأغلب أشعر أنني أريد قهر نفسي؛ لأن أغلب تفكيري يسير بهذا الاتجاه، وعندما يظهر شيء إيجابي أحاول تجنبه ودفنه ولا أتقبله.

لا أحضر المناسبات الاجتماعية منذ ما يقارب أربع سنوات، وكلما كبر الإنسان ازدادت مسؤولياته الاجتماعية، وعندما بدأت أشعر بهذا الأمر، وأني لا أحسن الأداء الاجتماعي، بدأت أتجنب، وأصبحتُ حبيس المنزل، لا أخرج إلَّا نادرًا.

لا أستطيع الجلوس مع عائلتي دون أن أستخدم الهاتف أو أُبدي رأيي، وعندما يأتي الضيوف، يتقطع صوتي وأرتجف، فأخرج من الغرفة فورًا، وقد تركت المدرسة منذ ثلاث سنوات.

أكثر ما أعاني منه هو الشعور بأنني لا أستطيع تخيّل نفسي رجلًا، أو أن أتصرف كالرجال، أو أن أكون في صورة جيدة، أو أن أصبح مثل الناس طبيعيًا وأتصرف بحرية.

أنا الآن أطلب خطة علاجية دوائية كاملة، تأخذ بعين الاعتبار ما أعانيه من الأفكار، فالأفكار لها أسباب، مثل التنشئة وعدم تزكية التفكير، لكنني أشعر أن هناك جانبًا مرضيًا في طريقة التفكير.

بدأت أتحسّن قليلاً، وقبل ثلاثة أشهر تغيرت بعض الظروف وتحسنت قليلًا، حتى إنني أجبرت نفسي وذهبت إلى مناسبة اجتماعية، لكنني كنت خائفًا ومتوترًا جدًّا.

وعلى العموم، أشعر أن تقييم حالتي متوسط، وتبقى مواجهة المواقف الاجتماعية أمرًا سأعمل عليه بالتدرج، فقط أطلب خطة علاجية دوائية كاملة.

أنا من العراق، وعمري 23 عامًا، ووزني 52 كغ، وليس لدي أمراض سوى التهاب في البربخ منذ ستة أشهر، وذلك بسبب العادة والاستثارة، وقد بدأت العلاج منذ عشرين يومًا، وانتهيت منه قبل أسبوع.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أسامة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية.

أيها الفاضل الكريم: كل الذي ذكرته في رسالتك المفصلة والجيدة، وهو أنك بالفعل تعاني من قلق نفسي ذو طابع وسواسي، ولديك شيء من المخاوف، وهذا جعلك تقلل من شأن نفسك، وربما تكون أيضًا لديك إشكالية فيما يُعرف بالذكاء الوجداني أو الذكاء العاطفي.

ولذا، أول خطوات العلاج: أريدك أن تقرأ عن الذكاء العاطفي، الكتاب الأساسي والمرجعي في هذا العلم هو كتاب دانيال جولمان (Daniel Goleman)، والذي كتبه عام 1995، وأتت بعده كتب أخرى كثيرة أقصر منه ومفيدة جدًّا، فاقرأ عن الذكاء العاطفي؛ لأنه سوف يساعدك كثيرًا على تفهم نفسك وتقبُّلها بصورة إيجابية، وكذلك تفهم الآخرين وتتقبلهم بصورة إيجابية.

بالنسبة للتنشئة السابقة: نحن لا نجهل التنشئة السابقة وأثرها على النشأة النفسية، لكن الذي ظهر الآن وبصورة جلية أن الإنسان الذي يعتمد على قوة "الآن"، لا شك أن الحاضر أقوى؛ لأننا نستطيع أن نديره، نستطيع أن نفصله، نستطيع أن نخطط فيه، فإذا هو ذو قيمة أعلى كثيرًا من الماضي.

وقد أثبت العلماء أن الإنسان يستطيع إعادة تنشئة نفسه بنفسه، نعم، هذا ممكن جدًّا -أيها الفاضل الكريم- فيما مضى تلقيتَ معاملة ليست طيبة من الآخرين، لكنك الآن تستطيع أن تبني نفسك؛ لأنك في وضع فكري أفضل، في وضع معرفي أعلى.

إذًا -أخي الكريم- حَقّر ما مضى، ويجب أن تعيد بناء نفسك، هذا ممكن جدًّا، وقد أثبته العلماء، ولا تقِس نفسك بمشاعرك أبدًا، قِس نفسك دائمًا بأفعالك، ولا تعتمد على الأفكار السلبية، أنت مثلًا: إذا وضعت لنفسك أهدافًا في الحياة وسِرت على هذه الأهداف، إذا التزمت بالواجب الاجتماعي، بمعنى:

- أن تشارك الناس في مناسباتهم الطيبة ومناسبات العزاء مثلًا.
- أن تزور أرحامك.
- أن تكون لك خارطة ذهنية لإدارة الوقت.
- أن تحرص على العبادات، خاصةً الصلاة على وقتها مع الجماعة.
- أن تمارس الرياضة بجدية وانتظام.
- أن تقرأ وتطلع وتثقّف نفسك في دينك، وفي بعض أمور الحياة المهمة، أو تقرأ في أي مجال علمي.
- أن يكون لك الصحبة الطيبة.
- أن يكون لك مشاركات في جمعيات خيرية، فإن خير الناس أنفعهم للناس.

بهذه الكيفية سوف تُخرج نفسك من التفكير السلبي، لا أشك في ذلك أبدًا، وتستطيع أن تتواصل مع الآخرين، وأن تتفاعل معهم، فأرجو أن تجعل ما ذكرته لك هو منهجيتك في الحياة، وأنا أبشّرك أن الدواء سوف يفيدك كثيرًا.

الدواء الذي أقترح عليك أن تتناوله هو عقار يُعرف باسمه (سيرترالين- Sertraline)، وله مسميات تجارية كثيرة، منها (زولفت - Zoloft) و (لوسترال - Lustral)، وربما تجده في بلادكم تحت مسمى تجاري آخر.

تبدأ في تناول السيرترالين بجرعة نصف حبة، (25 ملغ) يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها حبة واحدة يوميًا لمدة شهر، ثم على حبتين يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم حبة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

السيرترالين دواء رائع لعلاج القلق والتوتر والخوف والوسوسة، وهو مُحسِّنٌ للمزاج جدًّا، وليس إدمانيًا، وليس تعوديًا، وربما يفتح شهيتك نحو الطعام قليلًا، وأنت تحتاج لذلك؛ لأني كما أرى وأشاهد فإن وزنك منخفض بعض الشيء.

أيها الفاضل الكريم: لا بد أن تتوقف عن العادة السرية، فهي اعتداء على نفسك، وتجاوزٌ لحدود الله تعالى، وهي سيئة ولا خير فيها، تؤدي إلى المزيد من النظرة السلبية نحو الشخصية، فأرجو أن تغيّر هذا المسار.

إذًا هذه مجموعة النصائح التي أود أن أُسديها لك، وأرجو أن تتناول الدواء بانتظام، وأنا على ثقة كاملة أنك سوف تتحسَّن كثيرًا إن شاء الله تعالى.

بارك الله فيك، جزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً