الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأخر زواجي وأخاف أن أقضي بقية عمري وحيدة!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أبلغ من العمر ٣٧ عامًا، ولست متزوجة، بدأت أشعر بوساوس كثيرة، وضيق، وخوف من عدم الزواج، والبقاء وحيدة، إضافة إلى كلام الناس المؤذي، كما أنني أنهض في الصباح مفزوعة بهذه الفكرة.

أنا أدعو ربي، لكني لا أشعر بالاطمئنان، ماذا أفعل؟


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وردة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله تعالى أن يربط على قلبك رباطًا من السكينة، وأن يكتب لك من فضله رزقًا واسعًا، وزواجًا صالحًا يعمّر قلبك قبل بيتك، وأن يدفع عنك كل همٍّ ووسواس، ويملأ أيامك طمأنينة ورضًا.

ما ذكرتِه أختي من الخوف والوساوس طبيعيٌّ حين يطول الانتظار، ويشتد ضغط المجتمع بكلامه وتعليقاته، لكن هذا الخوف لا يعكس حقيقة وضعك، بل يعكس إرهاقًا نفسيًّا تراكم من الداخل، والشرع الحكيم قد نبّه إلى أنَّ القلوب قد تُبتلى بالهمّ والوسوسة، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾، وقال سبحانه: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، وهذا وعدٌ ربانيٌّ ثابت، لكنه يحتاج قلبًا هادئًا ليستقبل أثره.

ولأنّي أستشعر شدّة ما تمرين به -خصوصًا حين تستيقظين فَزِعةً-، فاسمحي لي أن أقترح عليك مجموعة من المعالجات العملية، تجمع بين الجانب الشرعي والواقعي:

أولًا: تثبيت الجانب الإيماني والقلبي:
اعلمي أن الزواج رزقٌ، وقد قال النبي ﷺ: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها»، فكما كُتِب رزقك من الطعام، كُتب رزقك في الزواج إن كان الله تعالى أراده لك، ولا أحد يستطيع منعه. وما دام الدعاء يخرج من قلبك فهذه علامة حياة إيمانيّة وليست علامة بُعد، لكن القلق يغطي أثر الطمأنينة، لا يلغيها، أكثري من: «حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم» فهي من أعظم ما يُسكّن القلوب المضطربة.

ثانيًا: التعامل مع الوساوس بذكاء:
الوسواس يشبه موجة… لو قاومتِها اشتدّت، ولو لاحظتِها بدون خوف؛ خفّت، جربي عند الاستيقاظ أو بداية القلق: أن تتنفّسي ببطء شهيقًا وزفيرًا، حدثي نفسكِ بصوتٍ مرتفعٍ أن هذا شعور مزعج، لكنه ليس الحقيقة، ثم انتقلي مباشرة لعمل بسيط: كوب ماء، خطوات في الغرفة، ذكرٌ قصير، لا تطيلي سلسلة التفكير والاسترسال مع الوسواس، فإنك بهذه الطريقة تقطعين حلقة الرعب التي تُشعلها الوساوس، وكل ذلك مصحوبٌ بالاستعانة بالله تعالى.

ثالثًا: إعادة صياغة الفكرة المؤذية:
فكرة: سأبقى وحدي ليست حقيقة، بل احتمالٌ مثل أي احتمال آخر، وفي المقابل هناك احتمال قوي جدًّا-ثبت بالواقع- أن الله تعالى يكتب الزواج متأخرًا لحكمة، ويعطي به بركة مضاعفة، كم قصة حولك لنساء تزوجن بعد سن الثلاثين، وكن أسعد حالًا مما كنّ يتصورن؟ فالله تعالى قادر أن يقلب حياتك في ليلةٍ، فقط ثقي بالله تعالى مولاكِ، وطيبي نفسًا بقضاء الله، واستبشري خيرًا بفرجهِ، فإنه يعلم ما لا نعلم، والرسول ﷺ قال: «واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب».

رابعًا: خطوات عملية تخفف الضغط، وتفتح أبواب الخير:

- اهتمي بنفسك نفسيًا وصحيًا: نومًا منتظمًا، رياضة خفيفة، غذاء متوازنًا… الجسد الضعيف يكبّر القلق، والجسد القوي يطفئ نصفه.
- وسِّعي دائرتك الاجتماعية الناضجة: لا تجلسي طويلًا مع مَن يكررون السؤال المؤذي" متى تتزوجين؟ واستبدليهم بالإيجابيين الذين يعطونك جرعة التفاؤل والأمل، المنجزين في أعمارهم وأوقاتهم.
- اقبلي أي فرصة تعارف عائلية أو موثوقة، دون حساسية أو خوف من تجربة جديدة، ربما تفتح لك بابًا كان مغلقًا، بسبب ما كنتِ تقعين فيه من الوساوس.
- اعملي مشروعًا يضيف لك قيمة: مهارة، دراسة، تطوعًا، دورات… الحياة الثرية تقلل تركيز العقل على فكرةٍ واحدةٍ، وتفتح لكِ أبوابًا قدّرها الله تعالى.

خامسًا: دعاء الأنبياء… وهدوء اليقين:
من أقوى ما يناسب حالك: دعواتكِ بقوله تعالى: «رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ»، وقولك: "اللهم ارزقني الزوج الصالح الذي تقرّ به عيني، واجعل لي في قدرك خيرًا كثيرًا"، ولا تنسي أنَّ الله تعالى لا يردّ قلبًا جاءه منكسِرًا.

سادسًا: إن بقي الضيق بهذا القدر:
لو كانت نوبات الفزع الصباحية متكررة ومؤثرة على نومك وأكلك، وتركيزك؛ فاستشارة أخصائية نفسية موثوقة خيار شجاع، ومشروع شرعًا، مثل زيارة طبيب الجسد تمامًا، ولا تنتقص من إيمانك أبدًا.

وهنا أختم لكِ بيقينٍ أختي الكريمة: أنَّ الله تعالى أرحم بك من نفسك، يعرف وجع الانتظار، ويجهّز لك ما يليق بقلب صابر مثلك، وما من ضيق إلا ووراءه فتح… وما من دمع إلا ويعقبه نور.

أسأل الله تعالى أن يبدّل خوفك أمنًا، وهمّك فرجًا، وأن يجعل لك من حيث لا تحتسبين رزقًا وسعادة، وزوجًا صالحًا يكون سترًا ورحمة لك في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً