الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرغب في العزلة وأحبها لفساد المجتمع..فهل ما أفعله صحيح؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة في العشرين من عمري، أعاني من الرغبة في العزلة وذلك لعدة أسباب:

أولها: أنني أراها أفضل من الخروج لمجتمع فاسد، لأني أشعر بأن كل من حولي أناس لا يهمهم سوى الأغاني والأفلام, والحديث عن الناس, وغيرها من الأمور التافهة.

ثانيها: شعوري بالنفاق, والكره عند مخالطتي لهذه الفئات من المجتمع، فمثلا أغلب صديقاتي على علاقة مع شبان فلا يتحدثون عن شيء غير الحب والرومانسية، فأضطر إلى أن أجاريهم, وأسمع لهم مع أنني ضد هذه العلاقات غير الشرعية, وإذا لم أفعل ذلك يقولون بأنني (دقة قديمة), وليس لدي مشاعر، وهناك مجموعه أخرى لا يهمهم سوى النزهات, وأحدث الأغاني والأفلام, فأسايرهم أيضا، علما بأنني أكره الخروج من المنزل, ومشاهده التلفاز, ولا أطيق سماع الأغاني, ليس تدينا ولكني لا أحب هذه الأمور, وأيضا إذا لم أفعل ذلك يقال بأنني إنسانة غريبة, وكيف أني ما زلت حية حتى الآن، وفي المقابل هناك مجموعة أشخاص ذو درجة عالية من التدين يصل إلى حد الاختناق، فأضطر أن أشعرهم بأنني مثلهم, وإلا سينظرون إلي بنظره الاحتقار, وأنني ناقصة دين، أنا لا أقصد أن أقول أنني لا أخالط الناس خشية حديثهم عني, ولكنني جربت العيش مع كل هذه الأمور فلم أشعر بالراحة, بالإضافة إلى إنني كنت أنفر الناس من حولي، لذلك قررت أن أساير الجميع, وفعلا نجح الأمر, وأشعر الآن بأنني مرغوبة منهم كلهم، ولكني لا أطيق أحدا منهم فأصبح لدي صراع داخلي, وصرت أشعر بكره كل من حولي, والضيق من مخالطة الناس, والراحة بعد ذهابهم.

والسبب الأخير: كوني الشخص المحايد طول حياتي, فعندما كنت صغيرة كنت أتنقل كثيرا من مدرسة إلى أخرى لعدة أسباب, فلا أملك الوقت الكافي للتعرف على أصدقاء حقيقين, ولكني كنت اجتماعية جدا, فأتعرف على أي أحد, فمشكلتي كانت وما زالت حتى الآن في حياتي الجامعية هي أن كل من أتعرف عليهم يكونوا على خلاف مع أشخاص آخرين من الذين تعرفت عليهم أيضا, فيتم تخييري بينهما فلا أستطيع أن أختار أحدا لأن كليهما سواء بالنسبة إلي, ومحبتي لهم متساوية, ولكني إذا جلست مع أحدهما يكون الحديث عن الأخرى, فأشعر بالضيق أكثر, حتى لو أخبرتهم بأن لا يتحدثوا عنهم أمامي, أشعر بأني أقيدهم, وأنهم لا يأخذون راحتهم في الحديث.

فهذه الأسباب هي التي جعلتني أرغب في العزلة لأنني أشعر بالراحة النفسية, وأرى أنني أستثمر وقتي جيدا سواء بالقراءة، أو الرسم، أو النوم، أو الدراسة، وأخيرا الجلوس مع الأهل, وهو أمر غريب، لأنني أفضل الجلوس مع أهلي أكثر من العزلة, ولكني للأسف لا أستطيع أن أجلس معهم إلا يوم الجمعة، وهذا لأنني أدرس في إمارة أخرى.

ولأكون صريحة أكثر فأنا لا أدري ما هي مشكلتي, لأني أرى بأن العزلة حل وليست مشكلة، ولكنها مزعجة لمن حولي, فهم يشتاقون إلي كثيرا, ويتضايقون إذا لم أراهم باستمرار.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عائشة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فأعتقد أنك قد طرحت أمرًا مهمًّا, وهو قضية صراع القيم، فأنت نعت نفسك بالنفاق، ولا أعتقد أن ما تقومين به نفاقًا, إنما هو نوع من المجاملة كما وصفتها، وذلك انطلاقًا من مفهوم القيم لديك، قيمك في الأصل هي قيم خيرة, وقيم طيبة, وقيم صالحة، ولكن التطبع الاجتماعي جعلك تحاولين أن تكوني محايدة, أو توفيقية, وهذه هي الشوائب التي قد تطرأ على نفوسنا وسلوكنا في بعض الأحيان، والإنسان يستطيع أن يطهر نفسه من شوائبها متى ما أدرك هذه الشوائب.

أنت مدركة تمامًا لموقفك, ورأيتِ أن منهج العزلة ربما يكون هو الأفضل بالنسبة لك, وذلك لتبعدي نفسك عن المغالاة في الدين كما ذكرت ذلك - إن كنت قد فهمت بصورة صحيحة - وفي نفس الوقت أنت الحمد لله ذات خلق ودين, ويأتيك انزعاج كبير, وتضايق شديد حين تكونين في صحبة فتيات لديهنَّ ممارسات خارج النطاق الشرعي المنضبط.

أنا أعتقد أن تفكيرك أيضًا قد شابته بعض الوساوس البسيطة، ولذا بدأت تحللين الأمور بصورة أكثر تفصيلاً وتدققًا، وهذا أدى إلى المزيد من التصادم القيمي.

الأمر واضح أيتها الفاضلة الكريمة: منهج العزلة التي انتهجته الآن يجب أن يكون محطة مؤقتة للتفكر والتأمل والتدبر, ومن ثم الانطلاق إلى حياة اجتماعية تفاعلية أفضل.

الإنسان يجب أن لا يرضي مخلوقا بمعصية الخالق، هذه حقيقة لا جدال فيها, ولا نقاش فيها، ومن يقتنع بذلك سوف ينفذه، لذا أنا أريدك أن تجسمي هذا المفهوم، وصدقيني أنك حين تبتعدين تمامًا عن البيئة التي فيها الأغاني والأفلام, والحديث مع الشباب, وإن لم تشاركي فيها، فسوف يكسبك احترامًا أكثر، حتى من الأطراف التي تمارس هذه الممارسات، وربما يتخذك البعض نموذجًا وقدوة، وهنا تكونين قد أنقذت نفسك, وأنقذت أناسًا آخرين.

إذن المفهوم الأساسي هو: لا إرضاء لمخلوق في معصية الخالق، هذا فكر يجب أن يجسم, ويجب أن يضخم, ويجب أن يستحوذ على تفكيرك.

الأمر الآخر في قضية العلاقات الأخرى: لا شك أن أمر الدين واضح, والوسطية في الأمور هي المطلوبة، وأرجو أن لا يأخذك الفكر الوسواسي فيما أسميته درجة عالية من التدين تصل إلى حد الاختناق, لا أعتقد أن هذه موجودة، نعم هنالك من يغالي, لا شك في ذلك، لكن هذا التعامل معه أحيانًا أفضل من التعامل مع شخص لا أقول منحرفًا لكني أقول أنه بعيد عن الدين، فأنت الحمد لله كيسة فطنة, ويجب أن تغيري فكرك المعرفي على هذا الأساس, أنا لا أقول لك قومي بتصادم مع من تعرفين من الفتيات اللاتي يمارسن ما ذكرته من ممارسات غير مرضية، الأمر لا يتطلب الخصومة أبدًا، لكن بالتي هي أحسن، والإنسان يمكن أن يسحب نفسه بكل كياسة وفطنة.

لي صديق -وهو مسئول- ذهب في مهمة رسمية إلى إحدى البلاد الأوروبية, وهنالك تم الاحتفاء به في حفلة عشاء ضخمة جدًّا, وقُدم الخمر في هذه الحفلة, فقام الرجل وبكل أدب واعتذر، فقال له المضيف لماذا؟ فقال له: حتى لا يُبدأ بي العذاب, هذا كلام طيب وجميل، وكانت رسالة قوية جدًّا لمن حوله, وشعر بعزة نفسه, وعزة دينه, وتم تقدير هذا الأمر, وسحبت كل الخمور من ذلك المكان.

الأمر الآخر: أرجو أن تشغلي نفسك بمستقبلك الدراسي، وأن تديري وقتك بصورة جيدة, وأن تنضمي للنشاط الثقافي, والاجتماعي, وأعمال الخير، هذا إن شاء الله يوجه طاقاتك توجيهًا إيجابيًا ونفسيًا.

أسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية مزن

    البعد افضل واتخاذ صديقه واحده مقربه لك افضل من الجميع

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً