الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أطلب العلم عن طريق القراءة من الكتب.. هل هذه الطريقة صحيحة؟

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب في الرابعة عشرة، وأريد أن أطلب العلم لكني لا أعلم من أين! ليس لدي وقت للذهاب الى الشيوخ وأمي تخاف من ذلك؛ لأننا في لبنان فلا نعلم بأحوال الشيوخ، فاعتمدت على الكتب، ووضعت منهجًا، ودعوت الله ليعينني على الفهم -والحمد لله- أفهم ما أقرأ، فهل ما أفعله صحيح؟ وإذا أصبح من تلقى العلم من الكتب عالمًا، هل يجوز له التدريس؟

شكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمزة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولاً: شكر الله لك -أخي الحبيب- اهتمامك بطلب العلم وحرصك عليه، وهذه نعمة منّ الله بها عليك، وهي رفعة لك في الدنيا ورفعة لك يوم العرض على الله عز وجل، فقد وردت في أحاديث كثيرة ما يدل على فضل العالم على الجاهل، وعلى العابد الجاهل، ومنها ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم)، وكذلك قوله: (وَإِن فَضْلَ العالمِ على العَابِدِ كَفضل القمر ليلة البدرِ على سائرِ الكَوَاكِب)، وإنا نسأل الله أن تكون أحد العلماء الربانين الذين يعلمون ويعملون.

ثانيا: العلم -أخي الحبيب- له أدواته ووسائله، ومن أركانه وجود شيخ يصوب لك الخطأ، ويقيد لك المطلق، ويخصص لك العام، ويحفظ عليك الوقت والجهد، وما يدل على أهمية وجود الشيخ ما ذكره الرافعي عن شيخ لم يسمه أنه قال: قرأت يوماً أثناء طلبي للعلم في كتاب المعاملات من الفقه ما نصه: " ويحرم بيع برَمْبَلولٍ ببَرَمْبلول "، قال: فاستعصى عليّ فهم هذه الكلمة، فنظرت في الشروح فلم أجد أحداً من العلماء قد شرحها أو علق عليها، ونظرت في الحواشي، فلم أجد من بيَّنها أو أوضحها، وكدت أتهم المتون، والشروح، والحواشي والتقريرات، بالعجز والقصور؛ لأنها ضاقت عن أن تشرح هذه العبارة، أو أتهم المؤلف بالخطأ.

ثم رأيت أن أتهم عقلي قبل اتهامها؛ لأنه لو كان الخطأ في العبارة من المؤلف لتنبه له واحد على الأقل من العشرات الذين شرحوا الكتاب أو علقوا عليه، فمن المحال أن يكون الجميع قد اتفقوا على هذا الخطأ، ولا بد أن الخطأ في عقلي وفهمي.

قال: فرجعت إلى شيخي أسأله عنها، فقال لي:" يا بني ما أخذ أحد العلم من الكتاب – دون معلم – إلاَّ ضل "، فلا بد من المعلم، ليشرح الغامض، ويقيد المطلق، ويفصل المجمل، ويبين المراد من الاصطلاح، ولو كان الكتاب وحده ينفع، دون احتياج لمعلم يشرح، لما أرسل الله مع كل كتاب رسولاً يشرحه، ويبينه، ويبلغه، ولَمَا أخذ الله العهد من الذين أوتوا الكتاب أن يبينوه للناس، ولَمَا ألجمَ الله كاتم العلم بلجام من نار، وكتب العلم متوفرة للقاصي والداني، ثم قال لي:" يا بني... إن الصواب العبارة: " ويحرُمُ بيعُ بُرِّ مَبْلول بِبُرِّ مبلول ".

وهذه الواقعة تكشف لك -أخي الحبيب- أهمية وجود الأشياخ، فقد ذكر أهل العلم أن الأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقي عن الأساتذة، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب.

وقد قيل: "من دخل في العلم وحده؛ خرج وحده"؛ أي: من دخل في طلب العلم بلا شيخ؛ خرج منه بلا علم، إذ العلم صنعة، وكل صنعة تحتاج إلى صانع، فلا بد إذاً لتعلمها من معلمها الحاذق.

ثالثًا: إننا نهيب بك أن تراجع على الأقل شيخًا واحدًا، فإن حيل بينك وبين الذهاب فننصحك بالسماع عن طريق الشبكة العنكبوتية إلى المشايخ الكبار، وستجد في هذا الموقع بغيتك -إن شاء الله-، ثم يلزم أن يكون لك شيخ ولو من بعيد عند العجز عن الوصول إليه، تسأله هاتفيًا وتراجع معه ما عنّ لك.

وأخيرًا اعلم -أخي الحبيب- أن ثمرة العلم الإخلاص لله عز وجل، وأن تبتغي بذلك مرضاة الله لا غير، ثم زكاته في البلاغ، وإنا نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك وأن يقدر لك الخير، وأن يرزقك العلم النافع، والعمل الصالح.

والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً