الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أستشعر الحرام، فهل طبع على قلبي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

شيوخي الأفاضل، شكر الله لكم سعيكم، واعذروني على أفكاري غير المرتبة، فإني لا أستطيع التفكير بوضوح في المدة الأخيرة، واعذروني إن أطلت عليكم فلا يوجد إنسان أتحدث إليه والتجأت إليكم.

لم أعد أستشعر الحرام، لا زنا ولا خمر، ولا أي حرام أقترفه لا أحس بأي ذنب، بل أصبحت هذه المعاصي هدفا لي، الماضي أحاط بي، ولا أجد سبيلا للهروب، أفكاري تدور طوال اليوم حول الماضي حتى أني لم أعد أستطيع التواصل مع الناس، ولا أجد نوما إلا بعض السويعات القليلة، حالتي النفسية متدهورة جدا، ودراستي تأثرت من ذلك.

كنت أعرف فتاة رخيصة، لم أكن أريدها، الا أن الشيطان أوقعني وتعلقت بها، فتحولت حياتي معها إلى جحيم، منذ 3 أشهر استجمعت ما بقي لي من قوة ونخوة، وأجبرت نفسي على فراقها، ومن هناك بدأت معاناتي، فقد أحسست بفراغ كبير، فأصبحت أبحث عن الفتيات بأي ثمن كان، ثم إذا كنت في عزلة، أتعذب شوقا إلى الفتاة الأولى.

بعد مدة من الزمن فكرت أنه لا ملجأ ولا ملجأ إلّا إلى الله، وهرعت إلى الصلوات والطاعات، وحاربت الشيطان بكل ما أعرف، وكلما ذكرني بالماضي كنت أسبّح كذا مرة حتى لا يعود لي بمثل تلك الأفكار، إلا أني في الأخير أنهار كل مرة؛ لأني ربما مفتون، ولن يسعد قلبي سوى الحرام.

تلك الفتاة اتصلت بي منذ أيام، وعلمت أنها أصبحت تبيع بدنها وأنها تعيش سعيدة، وأصبحت تملك المال، فعوضاً أن أستحقرها وأسعد أني ابتعدت عنها انهرت نفسانيا، وآلمني ذلك، ولكني لا أجد تفسيرا لماذا أتألم بما تقترفه هي!

لم أعد أستطيع الثبات على الدين! همي الوحيد أن أرى أني سعيد، وأعرف فتيات كثيرات.. إلخ.

الآن أعلم أن كل ما ذكرته سخيف وتافه وخطأ، بل ومثير للسخرية، إلا أني هذا ما أعيشه وهذا واقعي الذي أريد أن أغيره، ولكن كيف وأنا لا أستطيع أن أستشعر الحرام في قلبي، وعوضاً أن أحتقر الزناة ومعاقري الخمر أحسدهم، وإن استقمت وحفظت حدود الله، أحس بالفراغ والقلق والملل وأن حياتي تافهة لا معنى لها.

أنا لن أرجع للماضي وللكبائر والمومسات، ولكني أريد شعورا في قلبي يعينني على الثبات، أريد أن أكره الحرام، وأن لا أحزن أني ابتعدت عنه، مع العلم أني منذ أن ابتعدت عن كل ذلك ومنذ أن فارقت تلك الفتاة الساقطة، تراجعت ثقتي بنفسي كثيرا! وأصبحت أحس أني ضعيف ولا مكانة لي عند الناس بعد أن كنت أصول وأجول مهابا.

هل هو غضب الله ولعنته؟ هل طُبع عليّ قلبي؟ هل هي مسألة وقت؟ أنا في حيرة من أمري.

شيوخي، أنا أعاني كثيرا، ولم أتحدث مع أحد لذلك أطلت عليكم، فلا تؤاخذوني بارك الله فيكم، وانصحوا لي، وأجركم على الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم على تواصلكم معنا، ونسأل الله لكم التوفيق والسداد، وأما ما يمكن أن نشير به عليكم فيكمن في الآتي:

ـ عليك أن لا تذكر ما فعلت من ذنب لأحد من الناس فستر الإنسان نفسه من محاسن ديننا، وستر الله له من النعم العظيمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا، فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله، فأمره إلى الله: إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه ) [رواه البخاري برقم 7213].

ـ احذر القنوط من رحمة الله، واعلم يقينا أن الله يقبل من جاء إليه تائبا، وعفو الله أعظم من كل ذنوب الإنسان مهما كانت وكثرت، قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}، فلا تقنط من رحمة الله فإن الله يقبل من جاء إليه تائبا مصلحا من حاله، قال تعالى: {والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}.

ـ وقد ظهر من كلامك أن لديك محاولات في التوبة ووفقك الله، وهذا يدل على أنه يمكن أن تكون في ركب الصالحين الأتقياء البررة، فاعد المحاولة وأبشر بخير.

ـ والآن أدعوك إلى الإسراع إلى التوبة من كل ما سبق، فتندم على ما فات في الماضي، ولا تفكر في العودة إليه، وتقلع عن الذنب في الحاضر، وتعزم ألا تعود في المستقبل عازما صادقا من قلبك تريد بتوبتك وجه الله والثواب منه، فإذا فعلت هذا فقد تبت إلى الله، فلا تفكر في الماضي مطلقا وما كان فيه الذنوب؛ لأنها قد انتهت ومحيت بإذن الله، قال تعالى:{إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً}.

ـ ابدأ من الآن صفحة جديدة مع نفسك، وحافظ على صلاتك وسائر الطاعات، حتى يزيد إيمانك ثم يتغير حالك بإذن الله تعالى.

ـ أكثر من الذكر، وقل: (لاحول ولا قوة الا بالله)، وقل: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، وقل: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، وذلك حتى تتقوى على شر الشيطان والنفس الأمارة بالسوء التي تدعوك إلى العودة إلى الماضي.

ـ أكثر من الاستغفار حتى تقوى العزيمة في نفسك على طاعة الله تعالى وتستمر على ذلك.

* أكثر من الدعاء في سجودك في الصلاة، وفي ساعات الاستجابة، واسأل الله أن يثبتك الله على دينه، قل في السجود "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".

* الزم الرفقة الصالحة في أقرب مسجد لك حتى تكون لك عونا على طاعة الله تعالى.

* قم بعمل نافع في خدمة الفقراء والمساكين والأيتام فرحمة الله تنزل عليك إذا رحمت غيرك.

ـ تلك الفتاة التي تعرفت عليها أو غيرها من الفتيات، إذا تواصلن معك ليس أمامك الا طريق واحد للتعامل معهن، وهو دعوتهن إلى التوبة والعودة إلى الله، وترك ماهن عليه من الذنوب والخطايا، فإن كنت ضعيف أمامهن وتخشى الوقوع في الحرام، فغير جميع وسائل التواصل معهن، واقطع العلاقة بهن واستعن بالله في ذلك، وراقب الله تعالى فهو مطلع عليك ويعرف حالك.

ـ سارع إلى الزواج الشرعي؛ فهو طريق نافع للابتعاد من الحرام، وان لم تستطع فأكثر من الصوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) [رواه مسلم برقم 1400].

ـ اعلم -أخي هداك الله- أنك إن ظللت على الذنب فإنه يخشى عليك من سوء الخاتمة، فتموت على ذلك، فبادر من الآن إلى العمل الصالح؛ لأن الموت يأتي بغتة، وكم من الناس ممن وقع في المعاصي والذنوب، ولم يتب إلى الله مات على ذلك، فخسر الدنيا والآخرة.

ـ ما ذكرت أن القلب قد يبتلى بالران والطبع، فلا يقبل الله توبة صاحبه بسبب ذنوبه، هذا أمر حاصل ، فالله يفعل ما يشاء، ولكن لا ينبغي عليك أن تتوقف عن العودة إلى الله بهذه الحجة؛ لأنك لا تعرف ما الذي كتبه الله عليك؛ لأنه غيب وأنت لم تتطلع عليه ، ولهذا بادر من الآن وتب إلى الله وتضرع إليه...
وقل:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة*** فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن*** فمن الذي يدعو إليه المجرم
أدعوك رب كما أمرت تضرعاً*** فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا*** وجميل ظني ثم أني مسلم

وقل:

إلهي لا تعذبني فإني*** مقر بالذي قد كان مني
فكم من زلة لي في البرايا*** وأنت علي ذو فضل ومنِّ
يظن الناس بي خيراً*** وإني لشر الناس إن لم تعفو عني

ـ قم الآن توضأ صل ركعتين، وادع الله بعد السلام، وقل: "يا رب عبدك الفقير العاصي المذنب سترت عيبه وأمهلته، ومننت عليه بفضلك وجودك، يرجو رحمتك، ويخشى عذابك، لك العتبى حتى ترضى، اللهم إني أذنبت ذنوبا، وظلمت نفسي ظلما كثيرا، اللهم اغفر لي وتب علي، فإنك أنت الغفور الرحيم"، كرر هذا كثيرا، وأبشر بخير فلنا رب رحيم تواب غفور يقبل التوبة عن عباده.

أسأل الله الحليم الكريم الودود، ذا العرش المجيد، أن يغفر لك، وأن يتوب عليك، وأن يثبتك على الحق، وأن يصرف عنك شر الشيطان الرجيم، ويصرف عنك كيد الفجار، وأسأله سبحانه أن يجعلك هاديا مهديا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • ألمانيا أحمد

    بارك الله فيكم و جازاكم كل خير

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً