الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع أشخاص في كلامهم بعض المحاذير الشرعية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أعيش في دولة كثر فيها سب الدين في البقالات والباصات والشوارع، ويكثر فيها الاستهزاء بالدين، أصبح كل الكلام لا يخلو من كلمة دين، تعبت نفسيا من هذا الشيء وقمت باستشارة أحد المشايخ فقال لي أنني أعاني من ضغط نفسي وأرسل لي رقية.

مشكلتي الحالية أنني أجتمع مع أبناء أهلي ونفطر سويا وكلامهم عادي لكن يرادفه بعض سب الدين أو كلمة للدين في نصف الكلام، ولا جدوى من التكلم معهم، وأصبحت أنكر هذا المنكر بقلبي حتى أنني لا أرد على أحدهم ومرات لا أسلم عليهم، وأجد في حديثهم بعض الشيء الذي يحزن كمن يقول كنت لا أصوم ومن يقول أنه يرشي الشرطة وغير ذلك، فأصابتني الوساوس وأصحبت لا أطيق الجلوس معهم، مع العلم أنهم اثنان فقط من بين خمسة أشخاص.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك – ابننا الفاضل في موقعك، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، ونسأل الله أن يُعينك على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يهدي الشباب، وأن يُصلح الأحوال، وأن يُحقق لنا ولكم ولهم السعادة والإيمان والآمال.

لا شك أن هذه المعاصي التي تنتشر من سبٍّ للدين (نحوها – والعياذ بالله - تُعتبر من الذنوب المحاقة، والبلاد التي ينتشر فيها هذا مصيرها إلى شرٍّ مستطير، إلَّا أن يقوم الأخيار بدورهم، وأنت -إن شاء الله- من الأخيار، فاستمر في النُّصح واستمر في الإرشاد، واجتهد في إظهار عدم رضاك، ولا ننصحك بالتخلّي عندهم، ولكن ينبغي أن توجّه لهم النصائح، كلما سنحت لك الفرصة، وأيضًا تحاول أن تجعل النصيحة بينك وبينهم، أنت تُشير إلى أن الذين عندهم هذه الأشياء بطريقة زائدة هم اثنان من الشباب، فتحاول أن تكون لك (بالعكس) علاقة معهم، تنصحهم، وتقول للواحد منهم: (أنت فيك كذا وكذا من الإيجابيات، لكن أنت بمثل هذا الجانب في خطر عظيم)، وتنصحه بهذه الطريقة، لأن المؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذين لا يُخالط ولا يصبر.

ولكن إذا تضايقت وأردتّ أن تنعزل عنهم فليس في الشرع ما يمنعك من ذلك، بل قال الله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإمَّا يُنسينّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}، وقال: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذًا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا}.

لكن لا نريد للأخيار من أمثالك الذين يغضبون لله تبارك وتعالى ويكون لهم نصح ويكون لهم دور أن يبتعدوا عن المجتمع، لأننا أطباء، فإذا ابتعد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر - وهو طبيبٌ عن المريض – فماذا ننتظر من المريض وماذا ننتظر ممَّن هم على المعاصي؟ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا) [رواهُ البخاري].

لذلك نتمنّى أن تجتهد في النصح لهم، ولا تُحمّل نفسك ما لا تُطيق، فإن مهمّتك تنتهي بالنصيحة، تنتهي بالإنكار، بدرجاته (بيده، بلسانه، بقلبه)، كلُّ تلك الدرجات ما تستطيع أن تفعله منها فأنت خارجٌ من هذا الحرج، بل أنت مأجور على رفضك لهذا الشر، ولعلهم يتقون، كما قال الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر: {قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}.

وأرجو ألَّا ينعكس ذلك عليك نفسيًّا، لأنك لست مُساءلاً، والله تعالى يقول: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، فمهمَّتنا تنتهي بالنصح لهم، والإخلاص، وتكرارك للنصح لهم، ووجودك معهم من أجل النصح، هذا فيه مناقب عظيمة ونوع من الجهاد، فاحرص على هذا الخير، وكن في توازن بين الإقبال عليهم والابتعاد عنهم، وتعوّذ بالله من شيطانٍ يريد أن يُزعجك، يريد أن يسدّ عليك طريق الخير، يُريد أن يُبعدك عنهم، ونحن ينبغي أن نخالف عدوّنا الشيطان، وهمُّ الشيطان أن يحزن أهل الإيمان، لكن العظيم يُطمئننا فيقول: {وليس بضارهم شيئًا إلَّا بإذن الله}، فكيد الشيطان ضعيف، وأهلُ المعاصي يحتاجوا إلى أن ننصح لهم ونأخذ على أيديهم ونستمر في النصح، ونستمر في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف.

وأرجو أن تغتنم فرصة المرض الذي حاصر البشرية وفرصة الجرعات الروحيّة التي يُوفّرها شهر الصيام في النصح لهم وإخلاص النصح لهم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على كل أمر يُرضيه، ولن تكون آثمًا إذا حصل مخالفة وأنت نصحت أو وجّهت، استمعوا أو لم يستمعوا فأنت مأجور، وأرجو أن تكون النصيحة بطريقة جيدة، تُذكّر الواحد بإيجابياته وبما فيه من الخير، (وأن مثلك لا ينبغي أن يحصل منه هذا العمل ... وكذا) يعني بطريقة لطيفة، ونتمنّى أن تنجح في ذلك، والهادي هو الله، {إنك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء}.

ونحن نشرف بأن نكون أعوانا لك في سبيل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، فتواصل مع موقعك، واعرض المعاناة بتفاصيلها؛ حتى نتعاون جميعًا في وضع الخطط الدعوية الجيدة، ونسأل الله لنا ولهم الهداية والثبات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً