الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد الانتحار ويلاحقني شعور عند الغضب أو الحزن أفقد فيه السيطرة على عقلي.

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من وسواس قهري واكتئاب مزمن، واستطعت أن أتخلص من الاكتئاب في فترة قريبة ولكن عاد لي مجددا، وأشعر أنني أريد الإقدام على الانتحار، ولا أستطيع السيطرة على ذلك الشعور حتى أصاب ببعض التشنجات أو أنهال في البكاء، أخشى أن لا أستطيع المقاومة وأفعلها وأنتحر في يوما ما.

مؤخرا بدأت أحلم كثيرا بأنني أنتحر بطرق مختلفة، وأنني أريد أن أتخلص من جميع المخاوف التي تلاحقني والعذاب النفسي الذي أعانيه دوما، أريد أن أذهب إلى مكان ينتهي به كل شيء، أفقد الشعور ولا أشعر بتلك الآلام بعد، أريد النهاية، ولكن أنا أعلم أنني عندما أنتحر لن ينتهي الأمر، ولكن حتى ذلك يصيبيني بالقلق مرجوة من الله تعالى أن يغفر لي.

أنا أحاول أن أبحث عن الراحة، ودائما ما أدعو الله تعالى أن يتوفاني قبل الإقدام على الانتحار، فعندما أكون في وعيي أريد أن أموت ولكن لا أريد أن أنتحر، وأبقى منتظرة اللحظة التي يتقبل فيها الله تعالى دعائي، ولكن عندما أشعر بغضب شديد أشعر أنني واقعة في أسر أفكاري ولا أستطيع الهروب، أو الاختباء، وأنني تحت تعذيب دائم لا نهاية له، وأفكر حينها في أن أنهي كل هذه المأساة، ولا أستطيع التفكير حينها في أي شيء حتى لا أستطيع التفكير أو إدراك أن ذلك الأمر محرم، لا أسطيع السيطرة على عقلي حتى أهدأ.

في هذه الحالة إذا حدث وأقدمت على الانتحار في أسوأ الأحوال هل سيغفر الله لي أم هكذا سأكون من العاصين؟

مع العلم أنني لا أستطيع حينها السيطرة على نفسي مما يصيبني بتشنجات في عيني ورأسي، أحدق بشكل مبالغ فيه وعيني ترتجف بشدة ثم أهدأ بعدها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Gee حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أمرٌ مؤلمٌ جدًّا أن يكون تفكيرك منصب على الإقدام على الانتحار، وهذا حقيقة أمرٌ مزعجٌ جدًّا، والذين هم في مثل وضعك أنا أنصحهم أن يذهبوا ويقابلوا الطبيب النفسي، يجب أن تتواصلي مع طبيب مواصلة مباشرة، ويجب أن تتحدثي أيضًا مع أحد السيدات – والدتك أو غيرها – من الذين تثقين بهنَّ، وإن وجدتِّ صاحبة الدين فهذه أيضًا سوف تكون لك سندًا كبيرًا.

لابد أن يحصل نوع من التفريغ النفسي حول هذه الأفكار القبيحة والمذمومة، وأنا دائمًا على ثقة تامة أن في بلادنا وفي مجتمعنا المسلم بفضلٍ من الله تعالى الانتحار قليل وقليل جدًّا، لأن المسلم يعرف أن رحمة الله واسعة وشاملة، وأن مآل المنتحر هو مآل قبيح ومظلم وشقاء ما بعده شقاء، وأن الذي يقتل نفسه يخسر الدنيا والآخرة، يخسر الدنيا بأن يترك خلفه آلام لأهله ولذويه ولغيرهم، ويلصق بذويه وصمة اجتماعية أبدية.

أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو أن تعيدي تفكيرك، أنت مُدركة، وأنت واعية، وأفكارك مرتبة جدًّا، ومقدراتك عالية، فلا تُدخلي نفسك في هذا النفق والدهليز المظلم جدًّا.

إذًا اذهبي إلى الطبيب، وأدركي واعلمي أن الله لطيف بعباده، وأن لحظات التفكير الظلامي لحظات عابرة، والراحة النفسية والسعادة والاسترخاء الذاتي هو الأكثر وهو الأعم، وبكثرة الاستغفار تنفرج الأمور، ويصبح الإنسان في انشراح وإقبال على الحياة.

وحقيقة آلامني جدًّا أن أسمع مَن يحاولون أن يستفتون المشايخ في موضوع الانتحار، وهل أن الله سيغفر لهم إذا أخذوا حياتهم عنوة؟ .. هذا أمرٌ مستغربٌ جدًّا، لكن قلة قليلة من الناس هي التي تفكر بهذه المنهجية.

عمومًا: الخير فيك كثير، هذا واضح جدًّا، وحالتك تُعالج وتُعالج بصورة ممتازة، الوسواس القهري يُعالج، الاكتئاب يُعالج، الآن توجد إمكانيات كبيرة جدًّا، إمكانات طبية نفسية، فاذهبي إلى الطبيب، وإن شاء الله تعالى من خلال البرنامج العلاجي الذي سوف يُوضع لك أمور ستتحسن كثيرًا، وحاولي أن تكوني إيجابية، أكثري من الاستغفار، هذا مهمٌّ جدًّا، حاولي أن تمارسي أي رياضة، رياضة المشي جيدة، تؤدي إن شاء الله إلى نوع من التنفيس والمساعدة في القضاء على الفكر السلبي، لا تجلسي وحدك، تفاعلي مع أسرتك، تواصلي مع صديقاتك، اجعلي لحياتك معنىً، وهذا هو الذي سوف يفيدك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
-------------------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم........استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة د/ عقيل المقطري ......... مستشار العلاقات الأسرية.
-------------------------------------------------------------------------------
مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
الوساوس بأنواعها مصدرها الشيطان الرجيم، والشيطان الرجيم ضعيف ولا يستطيع مواجهة الإنسان، ولذلك من كيده لجأ إلى الوسوسة، وهذه الوساوس تأتي لكل أحد ولكن يختلف تعامل الناس معها، فمن استقبلها وتحاور معها فقد أبان ضعفه للشيطان، ولذلك يستولي عليه وينتقل معه من وسواس إلى آخر، وأما من احتقرها ولم يتحاور معها فإن الشيطان يخنس منه وييأس منه.

من الأسباب التي تطرد الشيطان كثرة ذكر الله تعالى، فقد قال سيدنا ابن عباس -رضي الله عنهما-: (الشَّيْطَاْنُ جَاْثِمٌ عَلَىْ قَلْبِ اْبْنِ آدَمَ، فَإِذَاْ ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ).

من الأسباب التي تورث راحة النفس تلاوة القرآن الكريم واستماعه، فعليك أن تجعلي لنفسك وردا من القرآن يوميا.
أداء العبادات من أسباب انشراح الصدر، فعليك أن تواظبي على الصلاة في أول وقتها.

الصيام يضيق مجاري الدم التي يجري فيها الشيطان، فلو أنك تجعلين لنفسك بعض الأيام فتصومينها مثل الإثنين والخميس من كل أسبوع والثلاث البيض (15،14،13) من كل شهر عربي.

الانتحار محرم، والشيطان هو الذي يوسوس لك بذلك فاستعيذي بالله منه، وهو من يغرك بأنك سترتاحين بذلك، والحقيقة أنك ستنتقلين إلى عذاب لا يمكن أن يطاق لأن من انتحر بشيء عذب به والعياذ بالله.

الغضب كذلك من الشيطان الرجيم، ففي الحديث: (الغضب جمرة من الشيطان) ولعلاج الغضب إن أتاك وأنت واقفة فاجلسي، وإن كنت قاعدة فاضطجعي فإن لم يذهب فتوضئي.

أوصيك أن ترقي نفسك صباحا ومساء بما تيسر من الآيات القرآنية والأدعية المأثورة ثم تنفثي في كفيك بدون ريق وتمسحي على ما تيسر من جسدك.

أنصحك بعرض نفسك على طبيب حاذق مختص بالأمراض النفسية، وعليك أن تأخذي العلاج بالطريقة التي سيصفها دون أي تعديل وتعديل الجرعة لا يكون إلا بمعرفة الطبيب.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً