الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أنا على حق بما أقوله في ضعف الشخصية، أم أنا مصاب بالوسواس؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي مشكلة ضعف الشخصية والخجل، حيث أشعر بحرج إذا طلبت الخروج من الدرس مثلاً للصلاة، أو رفض المصافحة، وأخاف من أقل عتاب من الناس، حيث أقل عتاب يؤذيني بسبب حساسيتي، ومنذ فترة وأنا أخاف من الألم.

في إحدى المرات طلب مني أحدهم أن أشتري شيئاً من المحل، والذي كانت تقف فيه متبرجة، وعن نفسي كنت أتجنب الشراء منه، ولم أفلت منه سوى بأن أتظاهر بأنني نسيت ما طلب مني، ويكثر هذا معي، أحاول اختراع حجج من التي يقبلها الناس، ولا أتكلم بلسان الشريعة.

وصرت أخاف من إظهار أنني سلفي؛ لأنني أدري أنهم سيرفضون كلامي ويهاجموني، وأخاف من نظراتهم وكلامهم، وأنا لست ذو مكانة دينية لكي يكون لكلامي اعتبار، وأنا أساساً أكره أسلوب الناس كلهم يتهمونني بالباطل مباشرة، ولا أحدا منهم يحسن الظن، أو يحترم مشاعري، ولا يريد أن يغير شيئاً اعتاد عليه، وكلهم يتكلمون بشكل همجي، ولا أحدا منهم يهتم بالعثور على الحق، أدري أنه زمن غربة.

الموقف السابق سيتكرر معي دائماً ولكنني لن أجد حجة في كل مرة، وأما أن أفعل الحرام، أو أبدأ بالنقاش، وأنا أصلا لا أجيد النقاش (ولا أحفظ الأدلة، أو كيف أعرضها وأنا لا أدري أأحفظها أم لا؟).

وكل نقاش أخسره، ولا أستطيع الرد رغم معرفتي أنهم على خطأ، ولا أحدا في هذا الزمن يدعم ما أقوله، وأقول في نفسي أنهم لا يقبلون؛ لأن كلامي يُهاجم من الإعلام ليل نهار وهم معتادون على ذلك الشيء، فأظن أنهم يعتقدون أنهم على حق أيضاً، ولكني أشعر أن هذا الوسواس من الشيطان، وأنهم يعرفون أنهم على خطأ، وأنا أصلاً تعليمي (ثانوي عام) ولا أدري أهناك وقت لأتدرب وأحفظ كل هذا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك هذا السؤال، ونسأل الله أن يُزيدك حرصًا وثقة وخيرًا، واعلم أن الإيمان يعلو ولا يُعلى عليه، فاثبت على الحق، واستعن بالله، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والثبات.

ولا يخفى على أمثالك من الفضلاء أن الذي يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لابد أن يُواجه صعوبات، لذلك جاء في وصايا لقمان لابنه: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، لأن هذه نتيجة طبيعية لمن يريد أن يأمر بالمعروف وينْهى عن المنكر، فالأنبياء والرسل لم يسلموا من لسان البشر ومن عنادهم، ولكن هذا لا يعني أن يستسلم الإنسان.

وأرجو أن تبدأ بأن تكوّن قناعات إيجابية، ولا تحاول أن تُكثر الجدال، ولكن اطلب منهم أن يتواصلوا مع العلماء، ولا تُجامل في الاختيارات التي تختارها في حياتك، واحرص على أن تكون مع الناس، فإن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يُخالط ولا يصبر.

وإذا كانوا على الباطل ويريدوا أن يُجادلوا فليس هناك مصلحة في الجدال معهم، لكن من حق الإنسان أن يُنفذ القناعات التي اقتنع بها خاصّةً عندما تكون هي قناعات شرعية مبنية على وعي شرعي، وكما ذكرت الناس يعرفوا أن هناك حق وباطل، وغالبًا ما يعرفوا أنهم على الباطل، لكن الشيطان يُسوّل لهم بأن يتوبوا إذا كبروا، ويسوّل لهم ويقول: "أنت وحدك ستكون على الحق، أتظنّ أن هؤلاء جميعًا سيدخلون النار وأنت ستدخل الجنّة"، هذه كلها تلبيسات من الشيطان.

والإنسان ينبغي أن يسير على الطريق الذي يُرضي الله تعالى ولو كان وحده، قال الله عن خليله إبراهيم: {إن إبراهيم كان أُمّة}، الأمّة هو: الإنسان الجامع للخير، فكن جامعًا للخير، واحرص على ما يُرضي الله، وتجنّب الاحتكاك، واحرص دائمًا على الأمور الأساسية والكبيرة، حتى لا تخسر الجولة في أمور بسيطة أو أمور سطحية، وكن ممَّن يُعامل الناس بالحسنى، واثبت على ما أنت عليه، واحرص على الأدب في النقاش معهم، لأنك تُمثِّلُ هذا الشرع بآدابه وأحكامه ولطفه.

وإذا كان الذي يُحاورك أكبر منك أيضًا هو يستحق أن تحاوره بأدب، ولا ننصح بالمجادلة والدخول في كلام طويل، لأن هؤلاء لا يريدوا أن يُخالفوا أهواء أنفسهم، وهم تثقّفوا بثقافة المسلسلات والثقافة الشائعة، فالأمر يحتاج إلى وقت، لكن لمَّا تصبر أنت، ثم بعد مُدة يأتي لك صديق ينحى هذا المنحى تكونُوا ثلاثة، تكونوا أربعة، والناس أيضًا وهم يجادلوا الملتزم يُوقنوا أنه على خير وأنه على حق.

نسأل الله أن يثبتك، وأن يلهمك السداد والرشاد، ولا تهتمّ بأساليبهم – كما قلنا – ولا تترك الحق الذي عندك لأجل الباطل الذي يأتون به ويحاولوا أن يُصادموا به الحق.

نسأل الله لنا ولك الثبات، وكلمة الحق في الرضا والغضب، وأن يُلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً