الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية تغيير المنكر دون أن يؤدي إلى أذى وإشكالات

السؤال

السلام عليكم.

ما هي كيفية التغيير وسط بعض التصرفات المحرمة في المجتمع، وسط واقع ضعيف البنية الدينية؟ ولا أُنكر الخير والفضيلة، فنحن بأمس الحاجة للتفاؤل في هذه الأيام، ونحن متفائلون إن شاء الله، والخير والأفضل قادم بإذن الله، لكن كيف يمكن رد المنكر وتغيير المحرم دون الوقوع في أذى وإشكالات؟!

فمثلاً: لو ذهبت لأي جامعة؛ فمن الطبيعي أن ترى شاباً وفتاة في وضع مخل بالأدب والقيم، دون أي رابط بينهما غير الزمالة، فإن سكتنا -وهو التصرف السائد من الجميع- فتلك طامة كبرى، وهذا أمر خطير يبعث على خشية غضب الله، وإن تدخلنا دخلنا في إشكالات ربما تكبر لتصير بعدها فتنة ومشاكل عائلية وعنصرية، وربما كان التدخل غير مجد، وربما كان التدخل غير مناسب من حيث الكلام والسلوك، فهل أضعف الإيمان يكفي هنا؟!

وقد رأيت منظراً لم أصنع منه غير أضعف الإيمان بالقلب، وغيري لم يقم حتى بأضعف الإيمان، فخشيت الله وخفت غضبه، وكأننا نأمن مكر الله، واستأت من نفسي لضغفها، ولكني لم ألمها وحدها، فكيف يكون الأمر بالمعروف بغير الطريقة التقليدية التي يألفها الناس والكلمات المعتادة نفسها؟!

نريد حلولاً واقعية متغيرة لواقع تغير، وأفكاراً متجددة لعالم متجدد، ولا نريد السكوت ليصبح الخطأ مباحاً وعادياً، ولا نريد التدخل في غير محله، وبغير آليته الصحيحة، ولا أرسم صورة سيئة ولا أبالغ، ولست متشائماً أبداً، ولكني أريد حلاً صادقاً مقنعا لشباب عنده كل ما يمكن أن يليهيه وينسيه كل المبادئ.

والخير موجود ولله الحمد، والحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وإن كان في ترك الإسلام تقدما .... فيا نفس موتي قبل أن تتقدمي. ولكن رسخوا لنا هذا المفهوم دون فصل الواقع، ودون قياس على قياس، ودون الرجوع للخلف، نريد الأمام وبثبات مبادئ الدين العظيم، ألا وهو الإسلام أقدس وأعظم نعمة منّ الله جل في علاه بها علينا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم وأن يجعلك من الدعاة إليه على بصيرة، وأن يجعلك مدرساً عالماً عاملاً تنقل العلم الشرعي لطلابك من خلال مادتك حتى ولو لم تكن مادة شرعية.

وبخصوص ما ورد في رسالتك؛ فإن الذي تشكو منه – مع الأسف الشديد – أصبح سمة في غالب بلاد المسلمين، فقلَّما تنزل مدينة من المدن، أو تزور دولة من الدول، إلا وتجد هذه المظاهر أصبحت شائعة وعامة ومنتشرة، ولا نملك إلا أن نقول: (إلى الله المشتكى، اللهم إن هذا منكر لا يرضيك ولا يرضينا، فاغفر لنا تقصيرنا، وأعنا على تغييره).

وأنت تعلم بأن الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ))[البقرة:286]، وأخبرنا بقوله: (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ))[الطلاق:7]، والنبي صلى الله عليه وسلم وضع لنا مراتب لتغيير المنكر حتى لا يحملنا ما لا طاقة لنا به، فقال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)، أخرجه مسلم في صحيحه، وهذا من رحمة الله تعالى.

وقد فصَّل العلماء هذه المراتب تفصيلاً بيِّناً واضحاً، فبينوا أن التغيير باليد إنما يكون في المسئولية الخاصة، فيكون لولي الأمر المسلم، ويكون للحاكم المسلم، ويكون للقاضي، ويكون للجهات الرسمية التي عينها ولي الأمر لتغيير هذا المنكر، ولذلك فإن المنكر العام هو مسئولية ولي الأمر أولاً وقبل كل شيء، ولذلك فإن كل مسلم من عامة الناس دوره متواضع جدّاً في تغيير المنكر العام؛ لأن تهيئة الأجواء لهذه المنكرات أن تقع هي مسئولية ولي الأمر المسلم، وهو الذي سيسأل عن ذلك بين يدي الله تعالى يوم القيامة.

وبما أنها مسئولية الحاكم المسلم، ونحن نؤمن بمعتقد أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الافتئات على الحاكم المسلم، ولا يجوز الخروج عليه؛ فإننا لا نستطيع أن نستعمل أيدينا في تغيير المنكر العام مطلقاً؛ مخافة أن يترتب عليه افتئات، أو تعد على حق ولي الأمر المسلم، ولذلك ليس بمقدورنا، ولا يجوز لنا شرعاً أن نغير المنكر العام بأيدينا، وهذه رحمة من الله تعالى بضعاف المسلمين من أمثالي وأمثالك؛ لأن هذه مسئولية جهات رسمية، والواجب أن تكون هذه على رأس أولوياتها، فإن أدتها – ونسأل الله أن يعينها على أدائها – فبها ونعمت، وإن لم تؤدها فحسابها على الله تبارك وتعالى، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها.

وأما النوع الثاني من أنوع تغيير المنكر فهو التغيير باللسان، وهو إنما يكون من العلماء والدعاة وأصحاب الكلمة، ولذلك أنت أيضاً في صفك تستطيع أن تقوم بالتغيير باللسان، بأن تعلم أبناءك الحق، وأن تبين لهم الصواب، وأن تفند الخطأ، وهذه فرصة عظيمة حقيقة، فأنت قطعاً لك دور ليس بالهين؛ لأنك أيضاً من الجهات الرسمية، خاصة في مجال مدرستك عندما تدخل صفاً من الصفوف، فهؤلاء الطلبة الذين رأيتهم في الجامعة في أوضاع ليست بلائقة، كانوا في يوم من الأيام طلاباً وتلاميذ أمام رجل من أمثالك، فلو أننا اجتهدنا في تعليمهم الحق وبيان الشرع، لما وصلوا لهذا أبداً، ولكن عندما قصَّر مدرس الابتدائي والإعدادي والثانوي خرج الطالب من هذه المراحل وهو لم يتزود بالإيمان ولا بالعلم الشرعي الأصيل، الذي يجعله على علم بحكم هذه التصرفات الغير مشروعة، ولذلك نحن جميعاً ندفع الثمن.

فأنت بمقدورك في صفك وبين طلابك أن تؤدي دوراً رائعاً جدّاً في تغيير المنكر، بتعليم أبناء المسلمين هذه المسائل وعرضها لهم بحكم رؤيتك لها ومشاهدتك لها، فعرف حكمها الشرعي، وبينه لهم حتى تحصنهم من الوقوع في هذه المعاصي إذا ما صاروا طلاباً في الجامعة، وبذلك سوف يقضى على هذه الظاهرة.

ولا يكفي أن تكون وحدك، وإنما لك دور آخر وهو أن تنصح إخوانك من المدرسين، خاصة أصحاب الحس الإسلامي وأصحاب الهم الإيماني، فهؤلاء لا مانع من عقد لجنة أو إنشاء جماعة تسمى جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المدرسة، تركز من خلالها لإخوانك المسلمين وطلابك الذين في هذه الجماعة على تأصيل هذه العبادة وتلك الشعيرة لدى هؤلاء الشباب، وبذلك تكون قد ساهمت مساهمة عملية وواقعية ومنطقية في تغيير المنكر.

وأما المنكر العام فليس بمقدوري ولا مقدورك، وقد تتكلم كلاماً يُفهم خطأً، وقد تسبب لنفسك حرجاً، وهل يعقل أن تتكلم مع كل العصاة؟!، فهذا أمر فوق الطاقة، ولم يكلفك الله به، ولذلك أنت بمقدورك أن تتكلم مع طلابك، وهذا أمر مقدور، وهو دورك الأساسي بدلاً من أن ننظر للوضع العام، فدعنا ننظر إلى مسئولياتنا الكبرى، وأنت مسئول ومسئوليتك عظيمة، فأنت مربٍّ وصانع رجال ومنشئ أجيال، وهذه فرصة ذهبية بالنسبة لك أن تغير المنكر من خلال طلابك ومدرستك.

ولا مانع من أن تبث هذه الهموم لإخوانك أئمة المساجد والدعاة والعلماء والخطباء ليتكلموا فيها، فقم بزيارة لإمام المسجد أو الأخ الواعظ في المنطقة أو لإدارة الأوقاف، وحدثهم بأن يتكلموا عن سلبيات هذه التصرفات ولو بطريقة غير مباشرة، فهذا أيضاً نوع من التغيير باللسان، وأنت الآن تؤدي دوراً مشروعاً يوافق القانون؛ لأن هذه الجهات هي المسئولة عن ذلك، وأيضاً إذا كان بمقدورك أن تقوم بدور إعلامي توجيهي من خلال الجرائد أو من خلال المجلات أو من خلال بعض البرامج التلفازية إن أمكن ذلك، أو من خلال الأشرطة الكاسيت أو الفيديو أو غيرها، فهذه أدوار – مع الأسف – نحن أهملناها رغم خطورتها، ورغم أنها في مقدورنا جميعاً.

فإن فعلت ذلك فثق بأن التغيير قادم، خاصة وأنك متفائل ولست بمتشائم، وأنك تنظر إلى الأمام بأنه مستقبل الإسلام، وأنا أؤيدك في هذه النظرة، وأشجعك أيضاً عليها، ولكني أقول: لا ينبغي فقط أن يكون دورك ما بثثته في تلك الرسالة، وإنما ينبغي أن تقوم بدور إيجابي من خلال بيئتك وأسرتك وأولادك وأقاربك وأرحامك، ومن تعرفهم من جيرانك الذين تستطيع أن تتكلم معهم، ثم من خلال المسجد والقائمين عليه، ثم من خلال مؤسسات الأوقاف والدعاة فيها، ثم من خلال المدرسة التي أنت تنتمي إليها، ومن خلال إخوانك المدرسين، وأعتقد أنك بذلك ستؤدي دوراً رائعاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي تغيير الواقع؛ لأن الله قال: (( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ))[الرعد:17]، وقال: (( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ))[الإسراء:81].

وختاماً: أتمنى أن تؤدي دوراً عملياً جاداً يسرك في القيامة أن تراه، وأنا على يقين من قدرتك على ذلك، وواثق من أنك ستفعل ذلك بإذن الله، وأتمنى لك التوفيق، وأدعو الله لك بالتأييد والثبات.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً