الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الميل للعزلة والشعور بالخجل

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب عمري 21 عاماً، أدرس في الجامعة منذ سنتين تقريباً، ومشكلتي بدأت منذ خمس سنوات، حيث عانيت من انطواء شديد وخجل نتيجة عدة عوامل خارجية، وما زالت عندي هذه المشكلة ولا أعرف ماذا أفعل، وقد ظهر ذلك أكثر عندما بدأت الدراسة الجامعية، حيث أثر الخجل على مستواي الدراسي، فالدراسة بالجامعة تحتاج إلى مشاركة أكثر مع زملائي في الجامعة لكي أستطيع إنجاز المتطلبات، ودائماً أتهرب من التعامل مع الآخرين وأشعر بالخجل، وقلبي يبدأ بالخفقان الشديد ولا أشارك، وهذا ما سبب لي معاناة شديدة، فما الحل؟!

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ م.ج حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الحالة التي تعاني منها هي حالة بسيطة بالرغم مما تسببه لك من إزعاج، فهذه الحالة تسمى بالقلق أو الرهاب أو الخوف الاجتماعي، وهي نوع من القلق النفسي وليست أكثر من ذلك، وقد وصلت إلى مرحلة متقدمة في التعليم ولله الحمد، واستشعارك لهذه الأعراض بشدة في هذا الوقت يدل على وعيك واستشعارك لأهمية الدراسة وأنك تريد أن تكون من الطلاب الجيدين.

والمبدأ العلاجي العام يقوم على تفهم أن هذا قلق وليس أكثر من ذلك، وأن هذا القلق فيه المكون النفسي وهو الخوف، وفيه المكون الجسدي وهو الشعور بالخفقان والشعور بالتعرق لدى البعض والرعشة وهكذا.

وأرجو أن أوضح لك أن الكثير من الدراسات النفسية أشارت إلى أن الأعراض التي يحس بها الشخص الذي يعاني من الخوف الاجتماعي هي أعراض مبالغ فيها، بمعنى أنه يستشعر أعراض الخفقان والرعشة والخوف والتلعثم بشدة مما هي عليه في حقيقة الأمر، فأرجو أن تستوعب هذه النقطة بصورة جيدة لأنها مهمة، وأود أن أؤكد لك أيضاً أن الآخرين لا يقومون بملاحظتك، ولا بمراقبتك، ولا برصدك، فأرجو أن تزيل عنك هذا الشعور تماماً.

وأما الجزء الآخر في العلاج السلوكي فهو ما يعرف بالتعريض مع منع الاستجابة، والتعريض أي أن تعرض نفسك إلى مصادر الخوف وتمنع الاستجابة، والاستجابة هي الانسحاب من الموقف، أي لا تنسحب من الموقف بل أن تصر على ذلك الموقف وفي ذاك المكان.

وحتى نسهل الأمر هناك ما يعرف بالتعرض في الخيال، بمعنى أن تجلس في مكان هادئ وتخصص خمسة عشر دقيقة إلى عشرين دقيقة من أجل التأمل الهادئ في أنك في موقف اجتماعي يتطلب المواجهة، فتصور أنه طلب منك أن تصلي بالناس في المسجد، عش هذا الخيال بكل دقة وبكل تمعن ولا تهرب منه أبداً وخذه بجدية.

وتصور خيالا آخر أنك قد طلب منك أن تقدم عرضاً أو محاضرة لمادة معينة أمام زملائك، وتصور خيالا ثالثاً أن لديكم مناسبة اجتماعية في البيت ولابد أن تكون أنت في استقبال الناس، وهكذا عش هذه الخيالات بكل جدية وبكل قوة ومارسها بصفة مستمرة وسوف تجد أنها تساعدك كثيراً.

وبعد ذلك تأتي للتطبيق العملي، وهو أن تواجه وأن تنظر إلى الناس في وجوههم، وأن تعلم أنك دائماً في حرز وحفظه ورعايته، وأن تتأكد دائماً أن أعراضك مبالغ فيها، وتذكر دائماً أن الآخرين ليسوا بأفضل منك بأي حال من الأحوال ولا أشجع منك، وليس الخوف الاجتماعي نوعا من الجبن وإنما هي حالة نفسية سلوكية خاصة، ولكن الإنسان يجب أن يقارن بينه وبين الآخرين، فقارن بينك وبين الآخرين واتخذ الذين تراهم أكثر قدرة على المواجهة، اتخذهم قدوة لك، وحاول أن تقلدهم، خاصة المتفوقون والمتميزون منهم.

وهناك علاج سلوكي ممتاز وهو أن تمارس الرياضة الجماعية مثل كرة القدم أو كرة السلة، هذه أيضاً وجد أنها تقضي على الخوف والرهاب الاجتماعي، كما أن حضور حلقات تلاوة القرآن يساعد في القدرة على المواجهة ويقلل من القلق والرهاب الاجتماعي، فأرجو أن تطبق وتحرص على هذه التمارين.

يأتي بعد ذلك تمارين الاسترخاء، فهناك عدة تمارين، وبما أنك في بلد بعيد ربما لا تتحصل على الكتب أو الوصول إلى الأخصائي النفسي الذي يمكن أن يقوم بتدريبك على هذه التمارين، وعليه سوف أشرح لك طريقة بسيطة تعرف بـ(طريقة جاكبسون Roman jackobson)، في هذه الطريقة استلق في مكان هادئ – في الغرفة – وتأمل في أمر جيد وسعيد، ثم بعد ذلك أغمض عينيك وافتح فمك قليلاً ثم خذ نفساً عميقاً وبطيئاً - وهذا هو الشهيق – واجعل صدرك يمتلأ بالهواء حتى ترتفع بطنك قليلاً، ثم بعد ذلك أمسك على الهواء في صدرك لمدة قصيرة، ثم بعد ذلك أخرج الهواء – وهذا هو الزفير – ويكون إخراجه أيضاً بكل قوة وبطء ويكون عن طريق الفم.. كرر هذا التمرين خمس إلى ست مرات بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء، وسوف يساعدك كثيراً.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، وهناك أدوية ممتازة وفعالة وهي متوفرة في معظم الدول، وهناك عقار يعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine) ويعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، وأعتقد أنك في حاجة إلى جرعة صغيرة منه، فتحصل على هذا الدواء وابدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرام (نصف حبة ليلاً) لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبة كاملة (عشرين مليجراماً) واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة إلى عشرة مليجرام ليلاً واستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناوله.

هذا الدواء من الأدوية السليمة والفعالة، وإن شاء الله بتطبيق الإرشادات السابقة وتناول هذا الدواء واستشعارك بأهمية الرسالة التعليمية سوف تجد أن أعراض القلق والخوف أو ما سميته بالخجل الاجتماعي قد انتهى تماماً، ويمكنك الاستزادة بالاطلاع على علاج الخجل سلوكياً في الاستشارات التالية: (267019 - 1193 - 226256).

نسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد، ونشكرك على تواصلك مع موقعك إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً