السؤال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه. هل إذا سألت الله الشهادة بصدق ولم أستشهد في حياتي ومت على فراشي سيكون أجري مثل أجر الشهيد الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له أول دفعة ، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه.
وليس معنى هذا أنهما يستويان من كل وجه، بل يشتركان في أصل الأجر لا في تمامه، ولذلك قال المناوي في فيض القدير: مجازاة له على صدق الطلب، لأن كلا منهما نوى خيرا وفعل ما يقدر عليه فاستويا في أصل الأجر، ولا يلزم من استوائهما فيه من هذه الجهة استواؤهما في كيفيته وتفاصيله؛ إذ الأجر على العمل ونيته يزيد على مجرد النية، فمن نوى الحج ولا مال له يحج به يثاب دون ثواب من باشر أعماله، ولا ريب أن الحاصل للمقتول من ثواب الشهادة تزيد كيفيته وصفاته على الحاصل للناوي الميت على فراشه، وإن بلغ منزلة الشهيد، فهما وإن استويا في الأجر لكن الأعمال التي قام بها العامل تقتضي أثرا زائدا وقربا خاصا وهو فضل الله يؤتيه من يشاء. اهـ.
وعبر النووي عن هذا المعنى بـ من التبعيضية فقال: إِذَا سَأَلَ الشَّهَادَة بِصِدْقِ أُعْطِيَ مِنْ ثَوَاب الشُّهَدَاء. اهـ.
فليس كل الشهداء في منزلة واحدة، فأعلاهم قدرا وأعظمهم أجرا الشهيد في المعركة مع الكفار، فهو أفضل حتى من الشهيد في قتال المسلمين من أهل البغي، قال ابن قدامة في المغني في حق من قتل في معركة قتال أهل البغي: هل يغسل ويصلى عليه، فيه روايتان، إحداهما: لا يغسل ولا يصلى عليه؛ لأنه شهيد معركة أمر بالقتال فيها فأشبه شهيد معركة الكفار. والثانية: يغسل ويصلى عليه، وهو قول الأوزاعي وابن المنذر؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة على من قال: لا إله إلا الله. واستثنى قتيل الكفار في المعركة، ففيما عداه يبقى على الأصل. ولأن شهيد معركة الكفار أجره أعظم وفضله أكثر، وقد جاء أنه يشفع في سبعين من أهل بيته. وهذا لا يلحق به في فضله فلا يثبت فيه مثل حكمه فإن الشيء إنما يقاس على مثله. اهـ.
وقال السبكي في فتاويه: الذي نعتقده أن الله يعطيه مرتبة الشهداء لقصده وسؤاله وعدم تمكنه من الوصول إليها، وللمرء فيما ينويه ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يمكنه الفعل فيؤجر على نيته أجرا دون أجر الفعل.
الثانية: أن يتقدم له عادة به فكتب له ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحا مقيما. وذلك لأن العذر الذي قدره الله عليه من المرض أو السفر هو الذي منعه.
الثالثة: أن لا تصل قدرته إليه لهذا الحديث، فإن طالب الشهادة لا قدرة له عليها فقد فعل ما في وسعه، فإذا قطع عنه أعطاه الله من سعة فضله ذلك، لكنه لا يسمى شهيدا في العرف، ويحتمل أن يسمى حتى لو حلف حالف ليصلين على شهيد فصلى عليه بر. والكلام في هذا كالكلام في أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وما أشبه ذلك. اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى: أَيْ يُعْطَى أَجْرَ الشُّهَدَاءِ وَمَرَاتِبُهَا في ذلك مُتَفَاوِتَةٌ حتى في الْأَشْخَاصِ كما دَلَّتْ عليه الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ في شُهَدَاءِ الْمَعْرَكَةِ، وَلِلشُّهَدَاءِ خُصُوصِيَّاتٌ منها أَنَّهُ يُغْفَرُ له أَوَّلَ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ من الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ من عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ من الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ على رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُزَوَّجُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ من الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ في سَبْعِينَ من أَقَارِبِهِ. رَوَاه التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ غَرِيبٍ. وَمِنْهَا أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. كما في الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، وَأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ في جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ في الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَبَعْضُ هذه الْخِصَالِ يَكُونُ لِسَائِرِ الشُّهَدَاءِ كَالْأَخِيرَةِ كما نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عن الْعُلَمَاءِ، وَكَوِقَايَةِ فِتْنَةِ الْقَبْرِ كما ذَكَرَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ وَنَقَلَهُ عن الْقُرْطُبِيِّ. اهـ.
ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 42767، 102618، 119091.
والله أعلم.