الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الزوجة التي ارتد زوجها

السؤال

أنا حيران ومتعجب من بعض الناس الذين يختارون أو يفضلون العيش في الظلمات ويكونون أولياء للشيطان بدلا من العيش في نور الله!
هذا شاب كان من رواد المساجد، وكان يصوم يومي الاثنين والخميس والأيام البيض، وكان لا يغيب عن صلاة الجماعة ولاعن صلاة الصبح إلا نادرا.
فجاءني وخطب مني ابنتي فامتثلت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. فأعطيتها له فتزوجها وله صبي يبلغ من العمر حوالي ثلاث سنوات .
والحيرة والمصيبة الكبرى أن الرجل ترك الصلاة، وبدأ يدخن، ووصل به الحال أن تقدم في الظلمات وأصبح يشرب الخمر- والعياذ بالله- ويسب الله عز وجل ويسب الدين، ويسب العائلة كلها بدون حياء ولا خوف.
أريد منكم توجيها يريحني من هذا الوحل الذي أنا فيه، علما أني عرفته في المسجد وشهد له إمام المسجد الذي كان يصلي فيه أنه يصلي كل الصلوات هذا في الظاهر والله يتولى السرائر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن من أعظم ما يُرثى له، ويؤسف عليه ما وقع لهذا الشاب من الانتكاس، والضلال بعد الهدى، والغي بعد الرشاد، وتلك غائلةٌ هائلة، ولا جرم كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الحور بعد الكور. أخرجه مسلم. قال ابن القيم: أي أعوذ بك من الحور بعد الكور أي الرجوع عن الاستقامة بعد ما كنت عليها. انتهى.

وقال النووي: قال الترمذي بعد أن رواه بالنون- أي من الحور بعد الكون - ويروى بالراء أيضا ثم قال: وكلاهما له وجه. قال: ويقال هو الرجوع من الايمان إلى الكفر، أو من الطاعة إلى المعصية.

وقد ذكر الله في كتابه دعاء الصالحين الراسخين في العلم وأنهم كانوا يقولون: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. {آل عمران:8}.

وهذا الذي حصل لهذا الشاب من أعظم ما يدلُ على مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

فالواجبُ علينا جميعاً أن نلجأ إلى الله تعالى في تثبيت قلوبنا على دينه، وأن يعيذنا بمنه من الحور بعد الكور.

وأما أنت فنسأل الله أن يثيبك خيرا، فقد فعلت ما حثك عليه الشرع الشريف من تزويج ذي الدين والخلق، ولا يعلم الغيب إلا الله.

وأما بعد ما آل أمر هذا الشابِ إلى ما آل إليه، فينبغي أن تجتهدوا في مناصحته ودعوته إلى الله عز وجل، وأن تبينوا له خطورة ما هو مقيمٌ عليه من المعصية، وأنه بذلك يلقي نفسه في أعظم الهلكة والعياذ بالله، واجتهدوا في الدعاء له بالصلاح والاستقامة، وحث أهل الخير على تكليمه ومناصحته.

وإذا كان أمره قد آل إلى هذه الدركة الفظيعة من سب الله عز وجل وسب دينه، فلا يجوز لابنتك أن تبقى تحته، ولا أن تمكنه من نفسها، بل الواجبُ فسخُ هذا النكاح، فإن سب الله عز وجل وسب دينه كفر وردة والعياذ بالله وانظر هاتين الفتويين: 47738، 115727.

ولا يجوز للمسلمة أن تبقى تحت كافر أبدا. لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ. {الممتحنة:10}.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: سب الدين ردة عن الإسلام، وكذلك سب القرآن وسب الرسول ردة عن الإسلام، وكفر بعد الإيمان، نعوذ بالله، لكن لا يكون طلاقا للمرأة بل يفرق بينهما من دون طلاق، فلا يكون طلاقا بل تحرم عليه لأنها مسلمة وهو كافر، وتحرم عليه حتى يتوب فإن تاب وهي في العدة رجعت إليه من دون حاجة إلى شيء، أي إذا تاب وأناب إلى الله رجعت إليه، وأما إذا انتهت العدة وهو لم يتب فإنها تنكح من شاءت، ويكون ذلك بمثابة الطلاق، لا أنه طلاق، لكن بمثابة الطلاق لأن الله حرم المسلمة على الكافر.

فإن تاب بعد العدة وأراد أن يتزوجها فلا بأس، ويكون بعقد جديد أحوط خروجا من خلاف العلماء، وإلا فإن بعض أهل العلم يرى أنها تحل له بدون عقد جديد، إذا كانت تختاره، ولم تتزوج بعد العدة بل بقيت على حالها، ولكن إذا عقد عقدا جديدا فهو أولى خروجا من خلاف جمهور أهل العلم، فإن الأكثرين يقولون: متى خرجت من العدة بانت منه وصارت أجنبية لا تحل إلا بعقد جديد، فالأولى والأحوط أن يعقد عقدا جديدا، هذا إذا كانت قد خرجت من العدة قبل أن يتوب، فأما إذا تاب وهي في العدة فهي زوجته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الذين أسلموا بعد إسلام زوجاتهم على أنكحتهم قبل خروج زوجاتهم من العدة. انتهى.

وما ذكره الشيخ من كون التفريق بالردة فسخا لا طلاقا، هومذهب الجمهور وانظر الفتويين رقم: 111588، 25611.

وما أشار إليه من أن بعض العلماء يرى أنه إن تاب بعد انقضاء العدة جاز للمرأة أن ترجع إليه من غير تجديد عقد هو اختيار ابن القيم، وأطال في نصره بما يُراجع في زاد المعاد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني