الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قول: يا سخف النصيب

السؤال

أود أن أسأل عن حكم قول: يا سخف النصيب ـ وهل قول هذه العباره فيه سب للدهر؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه العبارة إنما تتوجه للنصيب لا للدهر، والنصيب هو الحظ، قال الراغب في المفردات: النَّصِيبُ: الحَظُّ المَنْصُوبُ، أي: المُعَيَّنُ، قال تعالى: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ {النساء: 53} اهـ.
وأما السُّخْف فهو الخفة والرقة، قال ابن فارس في مقاييس اللغة: السِّينُ وَالْخَاءُ وَالْفَاءُ أَصْلٌ مُطَّرِدٌ يَدُلُّ عَلَى خِفَّةٍ، قَالُوا: السُّخْفُ: الْخِفَّةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي السَّحَابِ، قَالَ الْخَلِيلُ: السُّخْفُ فِي الْعَقْلِ خَاصَّةً، وَالسَّخَافَةُ عَامَّةً فِي كُلِّ شَيْءٍ. اهـ.
وفي تهذيب اللغة للأزهري: السُّخْفُ رِقَّةُ الْعَقْل، ورجُلٌ سَخِيفُ العَقْل: بَيِّنُ السُّخْفِ وَهَذَا من سَخْفَةِ عَقْلِك، وسَخَافَةِ عقلك، وثوبٌ سَخِيفٌ: رقِيقُ النَّسج، بَيِّنُ السَّخَافَة. اهـ.
فهذه العبارة إما أن تكون وصفا للنصيب بالقلة والرقة، وكأنه يقول: يا لقلة الرزق وضعف الحال، وإما أن تكون وصفا له بالخفة والنَّزَق، وكأنه يقول: يا لحماقة الأقدار!! فالأول من باب الوصف، والثاني من باب السب، فإن الوصف لا يراد به إلا البيان والخبر، وأما السب فيراد به العيب والعتب، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 131297.
وهذا المعنى الثاني يؤدي بصاحبه إلى الهاوية، قال الدكتور عبد الرحمن البراك: الذي يقول: سخافة الأقدارـ يطعن في حكمة الله في تدبيره، ومن يطعن في حكمة الله فإنه ينسب الله إلى السفه، وكفى بهذا ضلالاً، فيجب على من أطلق ذلك أن يتوب إلى الله فإنه يخشى عليه بإطلاقه هذه الكلمة من الردة، فيجب أن يبين له ويدعى إلى التوبة والرجوع إلى الله، ويبين له أن الله تعالى حكيم في خلقه وأمره إن الله حكيم عليم، وفي الحديث الصحيح: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه ـ فيجب الحذر من إطلاق مثل هذا المنكر الفاحش الذي يتضمن الطعن في صفات الله تعالى في حكمته وتدبيره نعوذ بالله من الخذلان. اهـ.

وراجعي في ذلك الفتوى: 97871.
وعلى أية حال، فينبغي أن يجتنب المسلم مثل هذه التعبيرات الموهمة، والألفاظ المجملة التي تحتمل حقا وباطلا ولنا في غير ذلك من الكلام متسع ولله الحمد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: كل لفظ يحتمل حقا وباطلا فلا يطلق إلا مبينا به المراد الحق دون الباطل، فقد قيل: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء، وكثير من نزاع الناس في هذا الباب هو من جهة الألفاظ المجملة التي يفهم منها هذا معنى يثبته ويفهم منها الآخر معنى ينفيه. اهـ.

وراجعي الفتوى رقم: 137191.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني