السؤال
كيف نجمع بين حضور ابن مسعود العرضة الأخيرة وعلمه بما نسخ وما بدل وبين ظنه أن المعوذتين من المعوذات وهذا مما شذ به؟ وهل ننكر الروايات التي تقول بحضور ابن مسعود العرضة الأخيرة؟.
كيف نجمع بين حضور ابن مسعود العرضة الأخيرة وعلمه بما نسخ وما بدل وبين ظنه أن المعوذتين من المعوذات وهذا مما شذ به؟ وهل ننكر الروايات التي تقول بحضور ابن مسعود العرضة الأخيرة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ من أجلاء الصحابة السابقين وأوعية العلم وقراء القرآن، وهو من الأربعة الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بأخذ القرآن منهم، كما في صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد،، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة.
وقد حضر العرضة الأخيرة كما في الحديث عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: أي القراءتين ترون كان آخر القراءة؟ قالوا: قراءة زيد قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعرض القرآن كل سنة على جبريل عليه السلام فما كانت السنة التي قبض فيها عرضه عليه عرضتين فكانت قراءة ابن مسعود آخرهن. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وقال الجزري في النشر: ولا شك أن القرآن نسخ منه وغير فيه في العرضة الأخيرة فقد صح النص بذلك عن غير واحد من الصحابة، وروينا بإسناد صحيح عن زر بن حبيش قال: قال لي ابن عباس أي القراءتين تقرأ؟ قلت: الأخيرة، قال: فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام في كل عام مرة قال: فعرض عليه القرآن في العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، فشهد عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ ما نسخ منه وما بدل، فقراءة عبد الله الأخيرة. اهـ.
وقال ابن حجر في الفتح: إن بن مسعود قال: لو أعلم أحدا تبلغنيه الإبل أحدث عهدا بالعرضة الأخيرة مني لأتيته أو قال لتكلفت أن آتيه وكأنه احترز بقوله تبلغنيه الإبل عمن لا يصل إليه على الرواحل، إما لكونه كان لا يركب البحر فقيد بالبر، أو لأنه كان جازما بأنه لا أحد يفوقه في ذلك من البشر فاحترز عن سكان السماء. اهـ.
وأما ما روي عنه في المعوذتين فقد عارضه ما هو أصح منه وهو نقل أئمة القراء لهما عنه، فقراءة عاصم وحمزة والكسائي مسندة بالأسانيد المتصلة بابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كما قال الداني والجزري وقد ثبتت المعوذتان في هذه القراءات وهذه مصاحف العالم اليوم برواية حفص عن عاصم وفيها المعوذتان.
وقد أنكر بعض أهل العلم ما روي عن ابن مسعود فيهما، فقد قال ابن حزم في المحلى: كل ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين، وأم القرآن لم يكونا في مصحفه، فكذب موضوع لا يصح، وإنما صحت عنه قراءة عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود فيها أم القرآن، والمعوذتان. اهـ.
وقد تابع النووي ابن حزم في ذلك فقال في المجموع: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن, وأن من جحد شيئا منه كفر, وما نقل عن ابن مسعود في الفاتحة والمعوذتين باطل, ليس بصحيح عنه، قال ابن حزم في أول كتابه المحلى: هذا كذب على ابن مسعود موضوع, وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عن ابن مسعود, وفيها الفاتحة والمعوذتان. اهـ.
وقد ذكر ابن حجر أنه ثبت ذلك عنه، وقد ذهب أهل العلم في تفسير ذلك لعدة مناح وأحسنها ما قال الزرقاني في مناهل العرفان في علوم القرآن: يحتمل أن إنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين والفاتحة على فرض صحته, كان قبل علمه بذلك فلما تبين له قرآنيتهما بعد تم التواتر وانعقد الإجماع على قرآنيتهما كان في مقدمة من آمن بأنهما من القرآن، قال بعضهم: يحتمل أن ابن مسعود لم يسمع المعوذتين من النبي صلى الله عليه وسلم ولم تتواترا عنده فتوقف في أمرهما، وإنما لم ينكر ذلك عليه لأنه كان بصدد البحث والنظر والواجب عليه التثبت في هذا الأمر. اهـ.
قال الزرقاني: ولعل هذا الجواب هو الذي تستريح إليه النفس، لأن قراءة عاصم عن ابن مسعود ثبت فيها المعوذتان والفاتحة وهي صحيحة ونقلها عن ابن مسعود صحيح وكذلك إنكار ابن مسعود للمعوذتين جاء من طريق صححه ابن حجر، إذا فليحمل هذا الإنكار على أولى حالات ابن مسعود جمعا بين الروايتين، وإن سلمنا أن ابن مسعود أنكر المعوذتين وأنكر الفاتحة بل أنكر القرآن كله فإن إنكاره هذا لا يضرنا في شيء، لأن هذا الإنكار لا ينقض تواتر القرآن ولا يرفع العلم القاطع بثبوته القائم على التواتر. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني