السؤال
أعيش مع زوجي في بلاد الكفار، وهو يعمل على رسالة الدكتوراه، وقد بلغ منصب باحث ذاع صيته، رغم صغر سنه - 28 سنة - المهم أنه يتقاضى منحة الباحثين النوابغ؛ وهو حافظ لكتاب الله منذ عشر سنوات، وكذا الأحاديث، ويصلي بالناس، ويعفي لحيته، وهو صوام قوام، وفي المقابل أنا أتعرض لكثير من الإيذاء من سب، وشتم، ورش بماء قذر، فأنا ألبس حجابًا شرعيًا، ولا أستطيع إخباره؛ لأنه لا يوالي الكفار - الولاء والبراء - ويريدني أن أستر وجهي بالنقاب، فهو يرى أنه واجب، ولأنني حامل وأخاف أن أتعرض للضرب فأفقد ابنتي، ولم يدعني أرجع إلى بلاد الإسلام لأنه يحتاجني بسبب الفتن، وغير ذلك من الأعذار، ونفسيتي متعبة، وكثيرًا ما أبكي بكاء مريرًا، وأريد الهجرة حالًا، فالصبر سمة لم أستطع التحلي بها، ولا أستطيع تدمير مستقبله، فماذا أفعل؟ أو علموني ما هي الأشياء التي تساعدني على الصبر؟ - إنما أشكو بثي إلى الله - ولأنني في غربة شديدة أردت أن تعلموني سبيلًا لم أهتد إليه، عسى أن يفرج بكم ربي كربي، وادعوا لي بالصبر، والرضا بحكم الله وقدره - جزاكم الله عني كل خير -.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يعافيكم في دينكم ودنياكم، وأن يوفقكم لما يحب ويرضى.
وأما موضوع السؤال، فبداية لا بد من التنبيه على أن الإقامة في بلاد الكفار لا تجوز لمن لا يأمن على نفسه الفتنة، أو لا يستطيع أن يقيم شعائر دينه، ومنه حجاب المرأة المسلمة، وقد سبق لنا بيان بعض المحاذير والمخاطر التي تترتب على الإقامة بين أظهر الكفار، وذلك في الفتوى رقم: 2007.
فإن أمن المرء على نفسه الفتنة، واستطاع إقامة شعائر دينه، وكان سفره لغرض مشروع، كطلب علم يحتاجه المسلمون، ولا يتوفر له إلا في تلك البلاد، فهذا لا حرج عليه في سفره، ويؤجر على قدر نيته، وراجعي الفتويين: 20969، 121607.
فإن كان حال زوجك كذلك، فاصبري حتى ينتهي من دراسته، واحتسبي أجر إعانته على دينه، وطلبه للعلم، وأخبريه بلطف بما تعانينه، لعله أن يجد لك حلًّا، ولو جزئيًا.
ولا يخفى أن إقلال الخروج من المنزل بقدر المستطاع، يخفف من معاناتك، ومما يعينك على ذلك ملء وقت فراغك بما ينفعك، كالقراءة، وطلب العلم، وحفظ القرآن، ونوافل العبادات.
وإذا كان بإمكانك التعرف على بعض الصالحات، والتعاون معهن على البر والتقوى: فهذا سيكون له أثر طيب.
هذا .. مع ما تفعله السائلة من اللجوء إلى الله تعالى، وشكوى بثها إليه سبحانه، فإنه خير مسؤول، وهو بكل جميل كفيل، وهو حسبها ونعم الوكيل، ثم أكثري من ذكر الله، والإلحاح في دعائه، فإنه يحب الملحين، ويجيب المضطرين، ولا يضيع أجر المحسنين، وراجعي في الأدعية المأثورة لدفع الهم والحزن الفتويين: 16946، 103409، وكذا انظري: 108522.
والله أعلم.