الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نذرت أن أقرأ جزأين من القرآن يوميًا إن رجعت إليّ من أحببتها، فرجعت، ثم افترقنا

السؤال

كنت أحب امرأة وأنوي خطبتها، لكن الظروف لم تسمح؛ لرفض أهلها وأهلي، وافترقنا في رمضان الماضي، وكنت كل يوم أدعو أن ترجع لي، ونذرت أن أقرأ كل يوم جزأين من القرآن الكريم إن هي رجعت إليّ، فرجعت، ووفيت بنذري وقرأتهما كل يوم، وبعدها بشهرين افترقنا مرة أخرى فتوقفت عن القراءة، فهل يلزمني أن أقرأهما بعد أن افترقنا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالكلام مع من تراد خطبتها يشتمل في الغالب على محاذير بيناها في الفتاوى التالية أرقامها: 44101، 202021، 214633.

وأما بخصوص النذر: فالذي يظهر أن مقصودك: إن اجتمعتما اجتماعًا، لا فرقة بعده، فهذا سبب عارضَ عموم اللفظ، وقد رجح جماعة من المحققين تقديم السبب.

وعليه، فلا يلزمك الوفاء بالنذر، قال المرداوي في الإنصاف: وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَلْ يُخَصُّ اللَّفْظُ الْعَامُّ بِسَبَبِهِ الْخَاصِّ، إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْمُقْتَضِي لَهُ، أَمْ يُقْضَى بِعُمُومِ اللَّفْظِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَالْآمِدِيُّ، وَأَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمْ، وَأَخَذُوهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَصْطَادُ مِنْ نَهْرٍ؛ لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ، ثُمَّ زَالَ الظُّلْمُ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: النَّذْرُ يُوَفِّي بِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْعِبْرَةُ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، لَكِنَّ الْمَجْدَ اسْتَثْنَى صُورَةَ النَّهْرِ، وَمَا أَشْبَهَهَا، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ، ثُمَّ زَالَ الظُّلْمُ، فَجَعَلَ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَعَدَّى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ إلَيْهَا، وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ، وَاخْتَارَهُ الشِّيحُ تَقِيُّ الدِّينِ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ النَّهْرِ الْمَنْصُوصَةِ، وَذَكَرَهُ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَهَذَا أَحْسَنُ، وَقَدْ يَكُونُ لَحَظَ هَذَا جَدُّهُ. انتهى.

وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: وقد أفتى غير واحد من الفقهاء، منهم ابن عقيل، وشيخنا، وغيرهما، فيمن قيل له: إن امرأتك قد خرجت من بيتك، أو قد زنت بفلان، فقال: هي طالق، ثم تبين له أنها لم تخرج من البيت، وأن الذي رميت به في بلد بعيد لا يمكن وصوله إليها، أو أنه حين رميت به كان ميتًا، ونحو ذلك مما يعلم به أنها لم تزن، فإنه لا يقع عليه الطلاق؛ لأنه إنما طلقها بناء على هذا السبب، فهو كالشرط في طلاقها، وهذا الذي قالوه هو الذي لا يقتضي المذهب وقواعد الفقه غيره، فإنهم قد قالوا: لو قال لها: أنت طالق، وقال: أردت إن قمت، دُين، ولم يقع به الطلاق، فهذا مثله سواء. انتهى.

وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 50646، 4727، 223567، 236155.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني