الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دفع التعارض بين قوله: (فما له من ولي) وقوله: (فهو وليهم اليوم)

السؤال

أشكركم على هذا الموقع المفيد حقيقة وبارك الله في جهودكم.
تلقيت شبهة من أحد الملحدين يقول إن القرآن يقول في آيات إن الكفار لا ولي لهم (ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ) وفي آيات إن وليهم الشيطان (لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم) وأن هذا تناقض.
أرجو الجواب. جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنحذرك أولا من مناقشة الملحدين والخوض معهم ومجادلتهم؛ فإن ذلك قد يؤثر فيك من حيث لا تشعر، ولا يتصدى لذلك إلا من كان مؤهلا لديه من العلم والقدرة على دفع الشبهات ما يرد به باطلهم ويدحض أكاذيبهم، وأما الآيتان المذكورتان فلا تعارض بينهما بحمد الله، فمعنى كون من يضله الله فلا ولي له أي ليس له من يهديه ويرشده إلى الحق كما قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا {الكهف:17}، وأما ولاية الشيطان لهم فهي ولاية الإضلال والإغواء والصد عن الحق، وتلك ولاية لا تنفعهم، بل يوم القيامة يتبرأ منهم، وينفي أنه كان له سلطان عليهم، قال الألوسي في تفسير قوله تعالى: فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ {النحل:63}، فَهُوَ وَلِيُّهُمُ أي قرين الأمم وبئس القرين أو متولي إغوائهم وصرفهم عن الحق الْيَوْمَ أي يوم زين الشيطان أعمالهم، أو يوم القيامة الذي فيه عذابهم والولي على هذا بمعنى الناصر أي لا ناصر لهم في ذلك اليوم غيره وهو نفي للناصر على أبلغ وجه. انتهى بتصرف.

وقال القرطبي في تفسير قوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ {الشورى:44}، قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ" أَيْ يَخْذُلُهُ "فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ" هَذَا فِيمَنْ أَعْرَضَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْمَوَدَّةِ فِي الْقُرْبَى، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ فِي الْبَعْثِ وَأَنَّ مَتَاعَ الدُّنْيَا قَلِيلٌ، أَيْ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يَهْدِيهِ هَادٍ. انتهى، فإذا عرفت محمل الآيتين، وأن ولاية الشيطان لهم إن كانت في الدنيا فهي ولاية إغواء وتزيين، وتلك ولاية لا تنفعهم، والولاية المنفية هي الولاية النافعة لهم، وإن كان المراد ولايته لهم في الآخرة على الوجه الثاني الذي ذكره الألوسي فهو كما قال رحمه الله نفي للولاية بأبلغ وجه، فإن من كان وليه الشيطان فلا ولي له على الحقيقة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني