السؤال
يملك والدنا بيتين: بيت قديم، مكون من دورين، يسكن فيه، وبيت حديث، مكون من دور واحد، مؤجر، ونحن ثلاثة إخوة، استأذنا والدنا في أن نبني أعلى البيت الجديد، وعرضنا عليه المال مقابل ذلك السماح، فقال: لا أريد منكم شيئًا، ابنوا، وما بنيتم فهو لكم، فبنينا ثلاثة أدوار، لكل واحد منا طابق، في كل طابق شقتان؛ حتى إذا أكملنا البناء، وسكنا فيه فترة، غيَّر والدي رأيه، وقال: إنه سيأخذ علينا أكثر من نصف ما بنيناه -أربع شقق- وذلك مقابل سماحه لنا بالبناء فوق بيته، وزاد، وقال: إنه شريكنا في البناء، مع العلم أنه لم يشارك في البناء، ولا حتى بشيء يسير، وقال: إنه قد ترك وصية بذلك، مع العلم أنه ليس بحاجة إلى ما بنيناه، وقد وسع الله عليه، ولديه راتب تقاعدي من بلاد الغرب يكفيه، ويزيد عن حاجته، ولديه عقارات مؤجرة، ويتصدق بمعظم دخله، والواقع أنه يريد أن يورث ما يأخذه منا لبقية أخواتنا، وإخواننا، مع العلم أنهم ليسوا بحاجة إليه، فكلهم مغتربون، وأغنياء، ومنهم من هو أغنى منا، ولا يوجد أحد منهم قاصر صغير، بل كلهم متزوجون، وعندهم أولاد.
أفتونا فيما أقدم عليه والدنا من أخذ ممتلكاتنا، وتوزيعها، علمًا أنه ربما قد يستمع لنصح أهل العلم، ومشايخ الهدى -جزاكم الله خيرًا-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الذي نقرره في فتوانا، أن مجرد إذن الوالد لولده بالبناء في أرضه، دون التصريح بالهبة، لا يجعلها هبة صحيحة، بل تكون عارية، جاء في منح الجليل: (لا) تنعقد الهبة في الأرض بقول الأب لابنه: (ابن) فعل أمر من البناء، فيها دارًا، وبناها فيها (مع قوله) أي: الأب الذي أمر ابنه بالبناء هذه (داره) أي: الابن الذي بناها، فإذا مات الأب، فلا يختص الابن بالأرض، ويشاركه فيها الورثة. اهـ.
وقد تنازع العلماء في حكم المباني على الأرض المعارة عند استرجاع صاحبها لها، وقد رجحنا في الفتوى رقم: 65439، قول جمهور العلماء من أن المستعير يستحق قيمة بنائه قائمًا.
وعليه؛ فإن كان الوالد لم يصرح بهبة الأرض، أو هوائها لكم، فهي عارية، له الرجوع فيها، وحينئذ: يلزمه أن يعطيكم قيمة البناء قائمًا، ولا تستحقون سوى ذلك، وإذا اتفقتم على أن تصيروا شركاء في البناء، فالأمر على ما تتفقون عليه، وانظر الفتويين: 21597، 6242 .
وبعد هذا؛ فالوصية المبذولة لكم هي مراعاة والدكم، والإحسان إليه قدر الوسع والطاقة، واستشعار عظيم حق الأب، وشأن بره، ومتى تركتم لأبيكم شيئًا من حقكم ابتغاء رضوان الله، فاعلموا أنكم أنتم الرابحون في عاجل أمركم، وآجله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله عز وجل، إلا أعطاك الله خيرًا منه. أخرجه أحمد، وصححه الألباني.
والله أعلم.