الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفنيد شبهة تسطيح الأرض، وسبب تأبيد عذاب الكفار، وإثبات وجود المسجد الأقصى زمن محمد

السؤال

للأسف أحيانا تأتيني بعض الشكوك في صحة الإسلام.
وبعض الملحدين المسيحيين سألوني بعض الأسئلة:
1: واحد علق عن آية في سورة الغاشية، تقول (وإلى الأرض كيف سطحت)، سأل، إذا كان القرآن فعلاً من خالق الكون، كيف يقول إن الأرض مسطحة؟ *أستغفر الله*
2: يسأل شخص آخر: كيف تصفون الله -تعالى- بالرحيم إذا كان يعذب الكفار عذابا شديد الألم لا أحد يقدر أن يتحمله إلى الأبد بدون توقف ولا راحة. فقط لأنهم لم يؤمنوا به؟ أليس هذا قاسيا؟
3: والأخير يسأل عن رحلة الإسراء والمعراج، يقول: كان مسجد القدس مدمر في زمن محمد -عليه الصلاة والسلام- "كيف ذهب محمد" -صلى الله عليه و سلم- الى مسجد القدس، وصلى فيه إذا هو لم يكن موجودا أصلا؟
كيف أرد على هؤلاء المشركين؟ أنا أحيانا أحس بالخوف، وأخاف أني لا سمح الله سأرتد عن الإسلام، والعياذ بالله. وأشعر أني لست مسلما حقيقيا مع أني أصلي وأقرأ القرآن وأقوم الليل. سمعت أن حفظ القرآن سيخلصني من هذه الوساوس، فهل عندكم طريقة لحفظ القرآن بسرعة بدون نسيان؟ أفيدوني، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنحن نصدر هذا الجواب بنصيحة ثمينة لك ولغيرك من المسلمين، وهي عدم التعرض لمواطن الشبهات، وعدم الاسترسال معها، وعدم الاكتراث بها، فلا بد لك أن تجعل بينك وبين هذه الشبهات سياجا منيعا، فلا تكلم من يوردونها، ولا تكثر الفكرة فيها، فإن هذا العلاج هو أعظم ما يدفعها عنك.

قال ابن القيم رحمه الله: وقال لي شيخ الإسلام ابن تيمية -وجعلت أورد عليه إيرادا بعد إِيرَاد-: لا تجعل قَلْبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فَلَا ينضح إلا بهَا، وَلَكِن اجْعَلْهُ كالزجاجة المصمتة تمر الشُّبُهَات بظاهرها، وَلَا تَسْتَقِر فِيهَا، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته؛ وَإِلَّا فإذا أشربت قَلْبك كل شُبْهَة تمر عَلَيْهَا صَار مقرا للشبهات، أوْ كَمَا قَالَ، فَمَا أعْلَم أني انتفعت بِوَصِيَّة فِي دفع الشُّبُهَات كانتفاعي بذلك. انتهى.

وإذا علمت هذا، فإن الوساوس لا تضرك ولا تؤثر في إيمانك ما دمت كارها لها نافرا منها، وعليك أن تجاهدها، وأنت مأجور بإذن الله على مجاهدتك لها، وانظر الفتوى: 147101.

وأما بخصوص الشبهة الأولى فنقول: إن ذكر تسطيح الأرض ومدها لا ينافي كرويتها، فإنها مسطحة في أعين الناظرين بلا أدنى ريب، ولكنها في نفسها كرة مستديرة؛ كما قرره جهابذة علماء الإسلام، ولذا قال الألوسي في تفسيره عند هذه الآية: وَإِلَى الْأَرْضِ التي يضربون فيها ويتقلبون عليها كَيْفَ سُطِحَتْ سفحا بتوطئة وتمهيد وتسوية وتوطيد حسبما يقتضيه صلاح أمور أهلها، ولا ينافي ذلك القول بأنها قريبة من الكرة الحقيقية لمكان عظمها. انتهى.

وقد قررنا مسألة كروية الأرض وأشبعنا القول فيها بما فيه غنية في الفتوى: 131655، 366808.

وأما بقية الشبهات الواردة فجوابها سهل، فإن وصف الله بالرحمن الرحيم لا ينفي كذلك وصفه بأنه شديد العقاب، وإن رحمته سبحانه سبقت غضبه، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي. وإنما عامل المشركين بهذه المعاملة لأنهم أشركوا طيلة أعمارهم، ونووا أنهم لو استمروا أحياء لاستمروا على الشرك، فكان جزاؤهم عين العدل جزاءً وفاقا.

يقول الدكتور عمر الأشقر رحمه الله: هناك شبهة تقول: لِمَ يعذّب الله الكافر بالخلود في النّار مددا لا نهاية لها مع أنَّ العدل يقتضي أن يعذبه بمقدار المدّة التي كفرها. ولم يخلد المؤمن في الجنّة، مع أنّه لم يؤمن ولم يطع إلاّ مدة معلومة محددة من الزمان؟ قالوا: السبب في ذلك أنَّ المؤمن يخلد في الجنَّة، لأنَّه ينوي أن يطيع الله أبدا، ولذلك جوزي بالخلود في الجنة. والكافر كان -في الدنيا- عازما على الكفر أبد الآبدين، وإن لم يعص الله إلاّ مدَّة حياته، ومما يدلّ على تصميم الكافر على الكفر أبدا، قوله تعالى في الكفرة الذين يطلبون العودة إلى الدنيا كي يؤمنوا: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نهُوا عنه وإنّهُمْ لَكَاذِبُونَ} . وهذا أمر عظيم يدلّ على عظيم خطر النية وأهميتها. انتهى.

وأما الشبهة الثالثة فجوابها نفي ما ذكره هذا المتهوك الكذاب، فإن المسجد الأقصى لم يزل قائما، بل قد وردت روايات من كلام القساوسة أنفسهم تدل على صحة تلك القصة المباركة، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: [فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ جَلِيلَةٌ] رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبِهَانِيُّ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ إِلَى قَيْصَرَ، فَذَكَرَ وُرُودَهُ عَلَيْهِ وَقُدُومَهُ إِلَيْهِ، وَفِي السِّيَاقِ دَلَالَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى وُفُورِ عَقْلِ هِرَقْلَ، ثُمَّ اسْتَدْعَى مَنْ بِالشَّامِ مِنَ التُّجَّارِ فَجِيءَ بِأَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ وَأَصْحَابِهِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي رَوَاهَا البخاري ومسلم كما سيأتي بَيَانُهُ، وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَجْهَدُ أَنْ يُحَقِّرَ أَمْرَهُ وَيُصَغِّرَهُ عِنْدَهُ. قَالَ فِي هَذَا السِّيَاقِ عن أبي سفيان: والله ما منعني من أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ قَوْلًا أُسْقِطُهُ مِنْ عَيْنِهِ إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكْذِبَ عِنْدَهُ كَذْبَةً يأخذها علي ولا يصدقني في شيء. قَالَ: حَتَّى ذَكَرْتُ قَوْلَهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ أَيُّهَا الْمَلَكُ: أَلَا أُخْبِرُكَ خَبَرًا تَعْرِفُ أَنَّهُ قَدْ كَذَبَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُ يَزْعُمُ لَنَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَرْضِنَا، أَرْضِ الْحَرَمِ، فِي لَيْلَةٍ فَجَاءَ مَسْجِدَكُمْ هَذَا مَسْجِدَ إِيلِيَاءَ، وَرَجَعَ إِلَيْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَبْلَ الصَّبَاحِ. قَالَ، وَبَطْرِيقُ إِيلِيَاءَ عِنْدَ رَأْسِ قَيْصَرَ، فَقَالَ بَطْرِيقُ إِيلِيَاءَ: قَدْ عَلِمْتُ تلك الليلة، قال: فنظر إليه قَيْصَرُ وَقَالَ: وَمَا عِلْمُكَ بِهَذَا؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ لَا أَنَامُ لَيْلَةً حَتَّى أُغْلِقَ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَةُ أَغْلَقْتُ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا غَيْرَ بَابٍ وَاحِدٍ غَلَبَنِي، فَاسْتَعَنْتُ عَلَيْهِ بعمالي ومن يحضرني كلهم فعالجته، فغلبنا فَلَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نُحَرِّكَهُ كَأَنَّمَا نُزَاوِلُ بِهِ جَبَلًا، فَدَعَوْتُ إِلَيْهِ النَّجَاجِرَةَ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الْبَابَ سَقَطَ عَلَيْهِ النِّجَافُ وَالْبُنْيَانُ، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُحَرِّكَهُ حَتَّى نُصْبِحَ فَنَنْظُرَ مِنْ أَيْنَ أَتَى. قَالَ: فَرَجَعْتُ وَتَرَكْتُ الْبَابَيْنِ مَفْتُوحَيْنِ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا الْحَجَرُ الذي في زاوية المسجد مثقوب، وإذا فيه أثر مربط دابة، قَالَ: فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: مَا حُبِسَ هَذَا الْبَابُ اللَّيْلَةَ إِلَّا عَلَى نَبِيٍّ، وَقَدْ صَلَّى اللَّيْلَةَ فِي مَسْجِدِنَا، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. انتهى.

ولو كان ما ذكره هذا المتهوك الكذاب حقا فكيف يخفى على أهل مكة المكذبين للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يذكرونه أصلا؟ هذه خلاصة جواب ما أوردته، وعليك أن تلزم ما أوصيناك به في أول الجواب، والله يتولى حفظك وصيانة قلبك عن الشبهات ، وراجع للفائدة الفتوى رقم : 3913.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني