الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيع الأولاد منزل والدهم المصاب بالزهايمر وشراء أرض واقتسامها

السؤال

والدنا قبل وفاته -رحمه الله تعالى- كان مريضًا بالزهايمر، ولا يستطيع الحركة، وكان لنا منزل بعناه، واشترينا قطعة أرض، وقمنا بتقسيمها: للذكر ضعف الأنثى، وهناك من اشترى من الآخر في ذلك الوقت، ونريد الآن بيعها بالكامل، علمًا أن الوالدة ما زالت حية -أطال الله عمرها-، والوالد قد توفي، فكيف لنا تقسيمها، علمًا أن السعر الآن هو الضعف؟ أفيدونا -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فمريض الزهايمر الذي لا يعقل، يعتبر محجورًا عليه لحظّ نفسه، ولا بد من تعيين وصيّ عليه، يتولى إدارة أمواله، بما فيه مصلحة له، وقد ذكرنا في الفتوى: 28545 من الذي يتولى أموال القاصرين والعاجزين.

فإن كنت تعني -أيها السائل- أنكم بعتم الأرض، واقتسمتموها في حياة والدكم، فإن هذا تعدٍّ منكم، لا سيما في القسمة؛ لأنه لو جاز للوصي عليه بيعها متى كان البيع أصلح، فإنه ليس له هبتها لكم، ولا لغيركم؛ لأنه لا يجوز للولي، والوصي على المحجور أن يهب شيئًا من أملاكه، جاء في الموسوعة الفقهية: لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَال الْمَحْجُورِ، إِلاَّ عَلَى النَّظَرِ، وَالاِحْتِيَاطِ، وَبِمَا فِيهِ حَظٌّ لَهُ، وَاغْتِبَاطٌ؛ لِحَدِيثِ: لاَ ضَرَرَ، وَلاَ ضِرَارَ. وَقَدْ فَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ: إِنَّ مَا لاَ حَظَّ لِلْمَحْجُورِ فِيهِ -كَالْهِبَةِ بِغَيْرِ الْعِوَضِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمُعَاوَضَةِ-، لاَ يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ، وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا تَبَرَّعَ بِهِ مِنْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ حَابَى بِهِ، أَوْ مَا زَادَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ، أَوْ دَفَعَهُ لِغَيْرِ أَمِينٍ؛ لأِنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، فَكَانَ ضَرَرًا مَحْضًا. اهــ. وجاء فيها أيضًا عن بيع الوصي لعقار المحجور عليه: قَال الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُفْتَى بِهِ ... لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ لِلضَّرُورَةِ، كَبَيْعِهِ لِتَسْدِيدِ دَيْنٍ، لاَ وَفَاءَ لَهُ إِلاَّ بِهَذَا الْمَبِيعِ، وَيَنْفُذُ بَيْعُ الْوَصِيِّ بِإِجَازَةِ الْقَاضِي، وَلَهُ رَدُّهُ إِذَا كَانَ خَيْرًا.

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: ... أَمَّا الْوَصِيُّ فَلاَ يَبِيعُ عَقَارَ مَحْجُورِهِ، إِلاَّ لِسَبَبٍ يَقْتَضِي بَيْعَهُ -أَيْ: لِحَاجَةٍ، أَوْ مَصْلَحَةٍ-، وَبِبَيِّنَةٍ بِأَنْ يَشْهَدَ الْعُدُول أَنَّهُ إِنَّمَا بَاعَهُ لِكَذَا، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحَاكِمِ، كَالْوَصِيِّ مَال الْمَحْجُورِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَالنَّفَقَةِ، وَوَفَاءِ الدَّيْنِ، وَنَحْوِهِمَا، وَذَكَرُوا أَحَدَ عَشَرَ سَبَبًا لِجَوَازِ بَيْعِ عَقَارِ الْقَاصِرِ مِنْ وَصِيٍّ، أَوْ حَاكِمٍ لِلضَّرُورَةِ، مِثْل الْحَاجَةِ لِلنَّفَقَةِ، أَوْ وَفَاءَ دَيْنٍ لاَ قَضَاءَ لَهُ إِلاَّ مِنْ ثَمَنِهِ.

وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ لِلْقَاصِرِ بِالْمَصْلَحَةِ وُجُوبًا، وَلاَ يَبِيعُ عَقَارَهُ إِلاَّ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِحَاجَةٍ -كَنَفَقَةٍ، وَكِسْوَةٍ- بِأَنْ لَمْ تَفِ غَلَّةُ الْعَقَارِ بِهِمَا، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ، أَوْ لَمْ يَرَ الْمَصْلَحَةَ فِي الاِقْتِرَاضِ، أَوْ خَافَ خَرَابَهُ.

وَالثَّانِي: لِمَصْلَحَةٍ ظَاهِرَةٍ، كَأَنْ يَرْغَبَ فِيهِ شَرِيكٌ، أَوْ جَارٌ، بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَهُوَ يَجِدُ مِثْلَهُ بِبَعْضِهِ، أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِكُلِّهِ، أَوْ يَكُونُ ثَقِيل الْخَرَاجِ، أَيِ: الْمَغَارِمِ، وَالضَّرَائِبِ، مَعَ قِلَّةِ رَيْعِهِ.

وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِمَا، إِلاَّ عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ (الْمَصْلَحَةِ) لَهُمَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. اهــ.

فإذا كنتم بعتم البيت، واشتريتم بثمنه أرضًا، واقتسمتموها في حياته، فقد تعديتم بذلك الفعل.

وما ترتب عليه من قسمة الأرض، وبيع بعضكم لبعض، كل ذلك باطل، لا عبرة به، وترد تلك الأرض إلى والدكم. وبعد مماته تقسم بين الورثة القسمة الشرعية.

وأما إذا بعتم البيت بعد مماته، واشتريتم بثمنه أرضًا؛ فإن تلك الأرض تقسم بين الورثة القسمة الشرعية للميراث: فتأخذ زوجة الميت ثمنها، والباقي بين الأولاد ذكورًا وإناثا، للذكر مثل حظ الأنثيين.

ولا حرج في بيع بعضهم لبعض، وإذا بيعت بعد القسمة، فإن كل واحد منهم يأخذ من ثمنها بنسبة ما له في تلك الأرض.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني