الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزوج بين حقوق زوجته وبره بأمه وتسلطها على الزوجة

السؤال

أشكر القائمين على هذا الموقع، وعلى كل ما يقدمونه.
أنا يا سيدي أعيش في بلد غير بلدي سعيا للرزق.
جئت منذ خمس سنوات، وكنت عازبا، ثم بعد سنتين رزقني الله بالزواج. وقد اختارت لي العروس ابنة أختها، وتزوجت الحمد لله. وسافرت مرة أخرى، وكانت زوجتي لا زالت طالبة، وقد فرضت عليها ألا تترك أمي، وألا تزور أهلها إلا زيارات لنهار واحد فقط. حرصا على أمي، فأنا لا إخوة لي، وأخواتي قد تزوجن، وأنا الوحيد.
وسارت الأمور على هذه الحال لمدة سنة، ثم بدأ الحال يتغير بعد انتهاء زوجتي من دراستها، وأصبح لديها فراغ.
بدأت زوجتي تشتكي من معاملة أمي: فأمي شديدة جدا، وكنت أحاول دائما أن أوفّق بينهما، وأفهمهما أني رجل أسعى لرزقي، ولا أتحمل المشاكل التي تزيد فوق ضغوطاتي ضغوطات أخرى.
ثم رجعت لبلدي لإجازة أخرى، ووجدت الأمر أمامي غير منصف: فأمي تحاسبني على جلوسي مع زوجتي في شقتنا (نحن نسكن في الدور العلوي، وأمي في الدور الأول) وأيضا تشكوني للجيران والأقارب بأني لا أجلس معها إلا قليلا، وأن أغلب وقتي مع زوجتي. ويعلم الله أني حريص جدا على رضاها، وأني قدر المستطاع أجلس معها.
حاولت أن أفرض على زوجتي مرة أخرى أن نقضي اليوم مع أمي بشقتها، لكن زوجتي رفضت وقالت إن من حقها أن تشعر بحرية في شقتها في وجودي، خصوصا أني في إجازة.
وحدثت مشاكل كبيرة، تدخل فيها الأهل. فأمي لا تقبل بكلام أحد إلا كلامها هي، تريدينا أن نقيم معها بشقتها حتى موعد النوم. وسارت الإجازة بين شد وجذب حتى سافرت مرة أخرى.
والآن يا سيدي: زوجتي منذ أكثر من نصف أسبوع عند أهلها بسبب حملها الجديد، وتحتاج الرعاية.
وكلما فاتحتها في موضوع عدم ترك أمي وحدها، تبكي وبشدة، وتقول أعصابي لم تعد تحتمل ذلك الأسلوب. فكما أسلفت أمي شديده وتحب أسلوب الإجبار والفرض.
وهي خمسينية، وتعمل موظفة، ومريضة بالضغط منذ ثلاث أربع سنوات تقريبا.
وعدنا للمشاكل مرة أخرى.
عندما تحدثت مع حماتي التي هي خالتي، قالت إن من حق ابنتي الإقامة معنا في وقت تحتاج فيه رعاية لا تلقاها مع أمي -حماتها- وفي نفس الوقت أمي تعتب عليّ دائما أني لا أجبر زوجتي على الإقامة معها. وفي آخر مكالمة بيننا بكت، وقالت: لا أسامحك؛ مما جعلني أصعق، وأشعر بالذنب تجاهها.
حاولت التوفيق أكثر من مرة، ولكن زوجتي حسب قولها (فاض بها الكيل) وهي في وقت تحتاج فيه للرعاية ولا تلقاها إلا في كنف أهلها.
وأريد مساعدة أمي أيضا؛ لأنها وحيدة في بيت كبير.
أشيروا عليّ.
وهل علي وزر تجاه أمي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمما لا شك فيه أنه ينبغي أن تكون العلاقة بين المرأة وأصهارها على أحسن حال من الألفة والمودة، تكريما لهذه العلاقة التي امتن الله بها على عباده، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا {الفرقان:54}.

وحدوث المشاكل أو عدم التفاهم بين الزوجة وأم زوجها، مما يحدث كثيرا، وقد لا يدرى أيهما المتسبب.

وعلى كل حال، ينبغي للزوج أن يتحرى الحكمة، ويسعى في التوفيق بينهما ما أمكنه ذلك، مع مراعاة أن يعطي كلا منهما حقها، وقد ذكرت أنك اجتهدت في هذا الجانب، فجزاك الله خيرا.
ولا يلزم زوجتك أن تكون مع أمك عند غيابك، ولا أن تنزل وتبقى مع أمك، أو أن تكون معك وأنت عند أمك إلا أن ترتضي ذلك بطيب نفس منها.

وفي المقابل ليس من حقها عليك أن تبقى معها اليوم كله، بل حقها عليك أن تعاشرها بالمعروف، والأقرب للصواب أن يرجع في ذلك إلى العرف، ولا يحدد بقدر معين، وانظر الفتوى: 120153. وقد أوضحنا فيها أنه ينبغي للزوج أن يوازن بين حق زوجته وحق أمه، وأن تكون الزوجة عونا لزوجها في البر بأمه.
وإذا كانت زوجتك في حاجة للرعاية، وأردت منها أن تبقى في بيتها. فالواجب عليك أن توفر لها خادمة تعينها، وإلا فليس لك الحق في منعها من أن تبقى في بيت أهلها لرعايتها.

قال ابن قدامة في المغني: فإن كانت المرأة ممن لا تخدم نفسها؛ لكونها من ذوي الأقدار، أو مريضة؛ وجب لها خادم. اهـ.

وأما أمك، فاجتهد في مداراتها واتقاء غضبها.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني