الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تصحيح النبي لاجتهادات أصحابه الخاطئة

السؤال

هل كانت البدع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنني سمعت أحد أئمة المساجد يقول: بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى التوحيد في نفس الوقت كانت البدع منتشرة. فلم أفهم كيف ذلك؛ لأن الشريعة الإسلامية لم تكن مكتملة بعدُ!؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلعل هذا القائل يقصد بكلامه الشرك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث داعيا إلى التوحيد، والشرك قد ضرب أطنابه في جزيرة العرب.

ونظر الله -تعالى- إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله، ويجاهد في ذاته -جل اسمه- حتى ظهر دينه في جزيرة العرب، ولم يقبضه ربه -تعالى- حتى صار عامة من بها من أهل الإسلام.

وأما البدع والتي هي التعبد لله بخلاف ما شرع، فلم تكن منتشرة في أتباع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة -رضوان الله عليهم- حاشا وكلا. فقد كانوا يرجعون في أمورهم كلها إليه، ويصدرون عن أمره صلوات الله عليه، وإذا اجتهد واحد منهم اجتهادا أخطأ فيه، وأراد التعبد إلى الله بعبادة غير مشروعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب وينكر ذلك أشد إنكار، ولكن هذا كان قليلا جدا في زمنه صلوات الله عليه.

ومن ذلك ما أخرجاه في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».

وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم ويوجه ويصحح ما يراه من خلل، وكان أصحابه -رضوان الله عليهم- أسرع الناس استجابة له، وأشدهم تمسكا بما يأمر به، وأسرعهم رجوعا للحق إذا تبين، حتى تركهم صلوات الله عليه على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني