الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خروج المرأة إلى بيت أهلها دون إذن زوجها بسبب سوء المعاملة

السؤال

جزاكم الله كل خير على هذا الموقع الرائع.
ما حكم الشرع في ذهاب الزوجة إلى بيت أهلها؛ بسبب سوء معاملة زوجها لها، وضربه لها، مع رفضها الطلاق منه؛ خشية من قول: "مطلقة مرتين (من زواج سابق من غير وجود أطفال)، ورفضها تمامًا الرجوع لزوجها، وأخذها نفقه منه لها، ولثلاثة أبناء له، وهي (زوجة عاملة)، وخروجها المستمر من منزل أهلها دون إذن منه؟
في بادئ الأمر حاول مراجعتها، ولكنها رفضت، ورفض أهلها أيضًا رجوعها له، والواضح أنه لا يريد أيضًا أن يطلقها، ولا ندري لماذا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الزوج مأمور شرعًا بأن يحسن معاشرة زوجته، ويعاملها معاملة طيبة، ويعرف لها مكانتها وحقوقها، وتعرف له مكانته وحقوقه، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وقال أيضًا: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}. ولمزيد الفائدة، راجعي الفتوى: 134877، والفتوى: 27662.

والأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها لغير مسوّغ شرعي، فإن وجد مسوغ، فلا حرج عليها في الخروج دون إذنه، ومن ذلك أن تخشى على نفسها ضررًا، كما بينا في الفتوى: 136039.

فإذا كان الزوج يسيء معاملة زوجته، ويعتدي عليها بالضرب؛ فلها الخروج بغير إذنه؛ لتستعين بمن يدفع عنها الضرر.

وننصح بأن يتدخل العقلاء من أهلها وأهل زوجها، وأن يسعوا في الإصلاح. فإذا تيسر، فالحمد لله، وإلا فالفراق أفضل، قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين؛ فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة؛ فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.

ولعلهما إذا افترقا أن يفتح لكل منهما من الخير ما لا يخطر له على بال، قال سبحانه: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}، قال القرطبي في تفسيره: أي: وإن لم يصطلحا بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقرّ بها عينه، وللمرأة من يوسّع عليها. اهـ.

وقال ابن القيم في زاد المعاد: قَدْ يَكُونُ الطَّلَاقُ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ الَّتِي يَفُكُّ بِهَا الْمُطَلِّقُ الْغُلَّ مِنْ عُنُقِهِ، وَالْقَيْدَ مِنْ رِجْلِهِ، فَلَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ نِقْمَةً، بَلْ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ مَكَّنَهُمْ مِنَ الْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ، إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ. اهـ.

وننبه إلى عدة أمور:

الأمر الأول: أن الطلاق بيد الرجل؛ ولذلك يخاطب الشرع به الأزواج، لا الزوجات، فإذا رغب الزوج في طلاق زوجته، فليس لزوجته الحق في الامتناع عن ذلك.

الأمر الثاني: أنه لا يجوز لهذه المرأة الخروج من بيت أبويها بغير إذن زوجها، وإنما يباح لها الخروج من بيتها إلى بيت أبويها بغير إذن زوجها؛ لحاجة دفع الضرر عنها، فلا يتعدى في ذلك قدر الحاجة، وتراجع الفتوى: 339802.

الأمر الثالث: إذا زال العذر وصلح الحال، فلا يجوز لها الامتناع عن الرجوع لبيت الزوجية. ولا يجوز لأهلها منعها من الرجوع إليه.

فإن أبت الرجوع، كان لزوجها عضلها، فلا يطلقها حتى تفتدي منه بمال، ونحوه، وانظري الفتوى: 93039.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني