الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إزالة أثر السجود على الأنف والركبة

السؤال

هل إزالة علامة السجود في الأنف والركبة حرام؟ هل شراء سجادة ناعمة لتفادي ظهور هذه العلامات في الجسد فيه إثم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن ذلك الأثر الذي يحصل في الوجه ليس محمودًا لذاته، ولا مُستحبًّا إبقاؤه، ولا الحفاظ عليه، وليس هو على الصحيح أثر السجود المذكور في قوله تعالى: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ {الفتح:29}، بل ذلك هو الخشوع والإخبات لله تعالى.

قال الحافظ ابن كثير: وقوله جل جلاله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس -رضي الله عنهما-: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ يَعْنِي السَّمْتَ الْحَسَنَ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي الْخُشُوعَ وَالتَّوَاضُعَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. قَالَ: الْخُشُوعُ. قُلْتُ: مَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلَّا هَذَا الْأَثَرَ فِي الْوَجْهِ، فَقَالَ: رُبَّمَا كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْ مَنْ هُوَ أَقْسَى قَلْبًا مِنْ فِرْعَوْنَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الصَّلَاةُ تُحَسِّنُ وُجُوهَهُمْ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ... إلى أن قال: فَالصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- خَلُصَتْ نِيَّاتُهُمْ، وَحَسُنَتْ أَعْمَالُهُمْ، فَكُلُّ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِمْ أَعْجَبُوهُ فِي سَمْتِهِمْ، وَهَدْيِهِمْ. وَقَالَ مالك -رضي الله عنه-: بَلَغَنِي أَنَّ النَّصَارَى كَانُوا إِذَا رَأَوُا الصَّحَابَةَ -رضي الله عنهم- الَّذِينَ فَتَحُوا الشَّامَ يَقُولُونَ: وَاللَّهِ لَهَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ فِيمَا بَلَغَنَا، وَصَدَقُوا فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مُعَظَّمَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَعْظَمُهَا وَأَفْضَلُهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-، وقد نَوَّه الله -تبارك وتعالى- بِذِكْرِهِمْ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَالْأَخْبَارِ الْمُتَدَاوَلَةِ. انتهى.

وقد عقد ابن أبي شيبة في مصنفه بابًا من كره أن يؤثِّر السجود في وجهه، وذكر فيه أن ابن عمر رأى رجلا قد أثَّر السُّجُودُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنَّ صُورَةَ الرَّجُلِ وَجْهُهُ، فَلَا يَشِينُ أَحَدُكُمْ صُورَتَهُ. وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً بَيْنَ عَيْنَيْهَا مِثْلُ ثَفِنَةِ الشَّاةِ، فَقَالَ: أَمَا أَنَّ هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ عَيْنَيْكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ. وعن الشعبي أنه كره الأثر في الوجه، وعن حبيب بن أبي ثابت أنه شكا لمجاهد الأثر بين عينيه فقال: إذا سجدت فتجاف. انتهى.

فدل ما أوردناه على أنه لا حرج في إزالة هذا الأثر من الوجه، وأنه لا حرج كذلك في اتخاذ سجادة تمنع ظهور هذا الأثر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني