السؤال
أبي كان طوال عمره إمام مسجد بجانب وظيفته، ويشهد له بالأمانة، وتأتيه تبرعات للمسجد بمبالغ كبيرة، وكانت تنفق تحت إشراف إدارة المسجد على الأسر، والأرامل، والأيتام.
ومنذ خمس سنوات، حدث خلاف بينه وبين مجلس إدارة المسجد، فترك المسجد، ولكن مازالت تأتيه التبرعات، وينفق جزءا منها على الأسر في المسجد، ويعطي جزءا كبيرا منها لغير المستحقين، مثل رجال قادرين على العمل، أو نساء متبرجات، تظهر عليهن مظاهر الغنى، أو لشباب في جامعات خاصة، أو في تجهيز عرائس بإسراف، ودون معرفة المتبرعين، ونصحناه كثيرا نحن مع أشخاص مقربين منه، ولكنه لا يستجيب. فهل يجوز الأخذ من هذه الأموال دون علمه، وإعطاء المستحقين من الأرامل والأيتام؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأوصاف التي ذكرتِها لا تنافي الحاجة في كل حال، فالقادر على العمل قد يكون غير واجد للعمل، والتبرج لا ينافي استحقاق الصدقة والزكاة، وكذلك الدراسة في الجامعة الخاصة لمن كان محتاجا للدراسة. وما تعدينه سرفا في الزواج قد لا يكون سرفًا في حقيقة الأمر، وقد تكون مساعدة والدكِ لهم في المهر، أو في غيره مما لا يتعلق بمظاهر السرف في العرس.
وعلى كل حال: فعليكِ بالاقتصار على نصح والدكِ بتقديم من هو أولى وأحق، وفق شروط المتبرعين، فإن أصر؛ فعليكم بتنبيه المتبرعين، وأصحاب الأموال.
وأما الأخذ من الأموال دون علمه: فلا يسوغ، لما يترتب عليه من مفاسد، ودخول الأهواء، والعبث في أموال الصدقات للمصالح الشخصية، فكل من لم يعجبه تصرف وكيل في صدقة اتهمه، وأخذ الأموال دون علمه. ثم هل تأمنين نفسكِ على تلك الأموال، وأنكِ ستقومين بصرفها لمستحقيها، ولا تضعفين، ويدخل الهوى في تصرفكِ فيها؟
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ.
قال النووي في شرحه: هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات. اهـ.
ثم ما يدريكِ لعل من وصفتيهم مستحقون وفقا لشروط المتبرعين. ثم أخذكِ من تلك الأموال قد يكون من نصيب الأسر الفقيرة التي يعطيها والدكِ، لا من نصيب من تظنينهم غير مستحقين.
والله أعلم.