السؤال
قرأت في الفتوى 75317 لكم كلاما جميلا حول أحكام سلس البول من الفقه المالكي لأن فيه تيسيراً كبيرًا، وهو ما أحتاجه منذ سنين طويلة ، لأن أغلب ما قرأته سابقاً لا يخلو من شيء من المشقة خصوصاً فيما يتعلق بـ:• الموالاة بين الاستنجاء والوضوء والصلاة .• ضرورة الاستنجاء والتطهر لكل صلاة .• لزوم وضع خرقة باستمرار للتحرز من النجاسة .• عملية ضبط السلس نفسه الذي تنطبق بسببه أحكام السلس (حيث كل كلامكم عن الشخص المصاب بسلس البول بحيث يلازمه في جميع أوقات الصلاة لكن المطلوب معرفته هو : حكم الذي لا يلازمه في جميع أوقات الصلاة بحيث يتبقى شيء بعد التبول ويستمر لمدة وأحيانا ينقطع وأحيانا يستمر طويلا فما الحكم ؟؟ ومسألة الانتظار حتى ينقطع فيها مشقة كبيرة وتضييع للجماعات) . لذلك أرجو منكم :• توضيح أحكام السلس الميسرة في المذهب المالكي –لأن الكلام في الفتوى المذكورة غير واضح –. أرجو التوضيح في ضوء النقاط المذكورة مع الدليل عندهم إن أمكن . • وهل يجوز لي اتباع هذه الأحكام رغم مخالفتها لغيرها من المذاهب؟؟ • وبالنسبة لتعريف السلس عندهم " والمراد بالسلس: ما خرج بنفسه من غير اختيار من الأحداث كالبول والمذي والمني والغائط يسيل من المخرج بنفسه، فيعفى عنه ولا يجب غسله للضرورة إذا لازم كل يوم ولو مرة .. للخليل بن إسحق" فهل لكل ذلك ضابط معين ؟؟ وهل كل ذلك ينطبق على المذي أيضاً الذي يخرج لشهوة ولكنه كثير بالنسبة لي ولا أستطيع ضبطه فهل تشمله هذه الأحكام الميسرة ؟ أرجو إفادتكم على كل نقطة في هذا السؤال نظراً لحاجتي الشديدة لتوضيح كل ذلك ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليعلم السائل الكريم أن الذي نفتي به هنا في هذا الموقع فيما يتعلق بطهارة وصلاة صاحب السلس هو مذهب جمهور الفقهاء كما أو ضحنا في الفتوى رقم : 3092 ، والفتوى رقم : 3224 ، وفي بعض الأحيان نذكر مذهب مالك في هذه المسألة لأجل التوسع والاطلاع على مذاهب الفقهاء, وقد ذكرنا في الفتوى رقم : 38410 أن السلس هو الحدث الذي يلازم كل الوقت, فإن كان ينقطع في وقت معروف انتظر ذلك الوقت ولو أدى انتظاره إلى فوات صلاة الجماعة ما لم يخرج الوقت, فإن خشي خروج الوقت قبل انقطاعه توضأ وصلى بعد إزالة النجس, وقد أوضحنا في الفتوى المشار إليها آنفا أنه لا فرق بين سلس البول والمذي وغيرهما من الأحداث الملازمة ، ولبيان ما يفعله من يكثر منه خروج المذي راجع الفتوى رقم : 56252 ،
وحيث طلب الأخ السائل تفصيل هذه المسألة في مذهب مالك فنقول له أولا : إن المعروف عند المالكية أن المستحاضة يستحب لها الوضوء عند كل صلاة ولا يجب عليها, وقد قاسوا عليها صاحب السلس إذا لازمه كل الوقت أو جله أو نصفه ، وتفصيل ذلك عندهم أن السلس لا ينقض إذا لازم نصف زمن أوقات الصلاة فأكثر وأوقات الصلاة من الزوال إلى طلوع شمس اليوم الثاني ، لكن يندب الوضوء عند الصلاة إذا كان يلازم كل الوقت. والسلس هو ما يسيل بنفسه من بول أو ريح أو غائط أو مذي أو مني. وهذا إذا لم ينضبط ولم يقدر صاحبه على التداوي, فإن انضبط كأن جرت العادة بانقطاعه آخر الوقت وجب عليه تأخير الصلاة لآخره أو بانقطاعه أوله وجب عليه تقديمها ، وكذا إذا قدر على التداوي وجب عليه التداوي واغتفر له أيام التداوي.
وقد ذكر الفقهاء هنا تفصيلا في شأن خروج المذي بصفة مستمرة وخلاصة هذا التفصيل أن لخروجه ثلاث حالات ، الأولى: إذا كان لعزوبة ويخرج بسبب التذكر بأن استنكحه وصار مهما نظر أو سمع أو تفكر أمذى بلذة فإنه ينقض الوضوء مطلقا سواء قدر على رفعه أو لا ولو لازم كل الزمن ويغتفر له مدة التداوي فقط ، الحالة الثانية : أن يكون بسبب طول العزوبة أيضا لكنه يخرج من غير تفكر ولا تذكر بل يصير من أجل طول العزوبة نازلا مسترسلا عليه, وفي هذه الحالة إن قدر على رفعه بتداو أو تزوج أو صوم نقض الوضوء, فإن لم يقدر على رفعه لم يعد ناقضا إلا إذا لازمه أقل الوقت فيعتبر ناقضا ويغتفر له مدة التداوي فقط ، الحالة الثالثة : أن يكون بسبب غير العزوبة بأن كان لمرض أو انحراف طبيعة أو برودة وفي هذه الحالة لا يعتبر ناقضا ولو قدر على رفعه إلا إذا لازم أقل الوقت فحينئذ يعتبر ناقضا. ثم إن هذا التفصيل غير خاص بسلس المذي بل هو جار في غيره كالبول والودي كما ذكر الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير, فإنه قال بعد أن ذكر مضمون ما ذكرنا من التفصيل في المذي ( ولا مفهوم لمذي ) أي بل كل سلس قدر على رفعه سواء كان بولا أو منيا أو وديا فهو كسلس المذي الذي قدر على رفعه في كونه ناقضا مطلقا وما لم يقدر على رفعه تجري فيه الأقسام الأربعة وبهذا صرح ابن بشير كما قال ابن مرزوق اهـ وقوله تجري فيه الأقسام الأربعة أي أنه إذا لازم كل الوقت أو جله أو نصفه لم ينقض الوضوء وإن لازم أقل الوقت اعتبر ناقضا. هذا ما يتعلق بنقض الوضوء بالسلس من عدمه.
وأما حكم إزالة النجس إذا عسر الاحتراز منه سواء وصل إلى حد السلس أم لا فقد ذكر في موضع آخر قال الدردير في الشرح الكبير على مختصر خليل ممزوجا بنص المختصر ( وعفي عما يعسر ) الاحتراز عنه من النجاسات وهذه قاعدة كلية ( كحدث ) بولا أو مذيا أو غيرهما ( مستنكح ) بكسر الكاف أي ملازم كثيرا بأن يأتي كل يوم ولو مرة فيعفى عما أصاب منه ويباح دخول المسجد به مالم يخش تلطخه فيمنع . انتهى بتصرف قليل . وقال الدسوقي معلقا هنا ( وأما كونه ينقض الوضوء أو لا فشيء آخر له محل يخصه يأتي في نواقض الوضوء وحاصله أنه إن لازم كل الزمن أو جله أو نصفه فلا ينقض وإن لازم أقل الزمن نقض مع العفو عما أصاب منه وإنما عفي عما أصاب من الحدث اللازم مطلقا وفصل في نقضه الوضوء لأن ما هنا من باب الأخباث وذاك من باب الأحداث والأخباث أسهل من الأحداث . انتهى .
وبهذا يتضح أن المالكية يفرقون بين ما ينقض الوضوء من السلس وبين ما يلزم تطهيره من النجاسة وهذا الأخير هو المقصود من قولهم : إن لازم كل يوم ولو مرة وليس هذا فيما يخص النقض .
والله أعلم .