الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          المسألة الثالثة

          ذهب شذوذ من الناس إلى امتناع وقوع الترادف في اللغة مصيرا منهم إلى أن الأصل عند تعدد الأسماء تعدد المسميات واختصاص كل اسم بمسمى غير مسمى الآخر ، وبيانه من أربعة أوجه :

          الأول : أنه يلزم من اتحاد المسمى تعطيل فائدة أحد اللفظين لحصولها باللفظ الآخر .

          الثاني : أنه لو قيل باتحاد المسمى فهو نادر بالنسبة إلى المسمى المتعدد بتعدد الأسماء ، وغلبة استعمال الأسماء بإزاء المسميات المتعددة تدل على أنه أقرب إلى تحصيل مقصود أهل الوضع من وضعهم .

          فاستعمال الألفاظ المتعددة فيما هو على خلاف الغالب خلاف الأصل .

          الثالث : أن المؤونة في حفظ الاسم الواحد أخف من حفظ الاسمين ، والأصل إنما هو التزام أعظم [1] المشتقين لتحصيل أعظم الفائدتين .

          الرابع : أنه إذا اتحد الاسم دعت حاجة الكل إلى معرفته مع خفة المؤونة في حفظه فعمت فائدة التخاطب به ، ولا كذلك إذا تعددت الأسماء فإن كل واحد على أمرين : بين أن يحفظ مجموع الأسماء ، أو البعض منها ، والأول شاق جدا وقلما يتفق ذلك ، والثاني فيلزم منه الإخلال بفائدة التخاطب لجواز اختصاص كل واحد بمعرفة اسم لا يعرفه الآخر .

          [ ص: 24 ] وجوابه أن يقال : لا سبيل إلى إنكار الجواز العقلي ، فإنه لا يمتنع عقلا أن يضع واحد لفظين على مسمى واحد ثم يتفق الكل عليه ، أو أن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين على مسمى وتضع الأخرى له اسما آخر من غير شعور كل قبيلة بوضع الأخرى ، ثم يشيع الوضعان بعد بذلك ، كيف وذلك جائز بل واقع بالنظر إلى لغتين ضرورة فكان جائزا بالنظر إلى قبيلتين .

          قولهم في الوجه الأول " لا فائدة في أحد الاسمين " ليس كذلك ، فإنه يلزم منه التوسعة في اللغة وتكثير الطرق المفيدة للمطلوب ، فيكون أقرب إلى الوصول إليه حيث إنه لا يلزم من تعذر حصول أحد الطريقين تعذر الآخر ، بخلاف ما إذا اتحد الطريق ، وقد يتعلق به فوائد أخر في النظم والنثر بمساعدة أحد اللفظين في الحرف الروي ووزن البيت والجناس والمطابقة والخفة في النطق به ، إلى غير ذلك من المقاصد المطلوبة لأرباب الأدب وأهل الفصاحة .

          وما ذكروه في الوجه الثاني فغير مانع من وقوع الترادف ، بدليل الأسماء المشتركة والمجازية .

          وما ذكروه في الوجه الثالث ، فإنما يلزم المحذور منه وهو زيادة مؤونة الحفظ ، إن لو وظف على كل واحد حفظ جميع المترادفات وليس كذلك ، بل هو مخير في حفظ الكل أو البعض [2] مع ما فيه من الفائدة التي ذكرناها .

          وعن الوجه الرابع ، أنه ملغى بالترادف في لغتين ، كيف وإنه يلزم من الإخلال بالترادف الإخلال بما ذكرناه من المقاصد أولا وهو محذور .

          ثم الدليل على وقوع الترادف في اللغة ، ما نقل عن العرب من قولهم " الصهلب والشوذب من أسماء الطويل ، والبهتر والبحتر من أسماء القصير " إلى غير ذلك .

          ولا دليل على امتناع ذلك حتى يتبع ما يقوله من يتعسف في هذا الباب في بيان اختلاف المدلولات ، لكنه ربما خفي بعض الألفاظ المترادفة وظهر البعض ، فيجعل الأشهر بيانا للأخفى وهو الحد اللفظي .

          [ ص: 25 ] وقد ظن بأسماء أنها مترادفة وهي متباينة ، وذلك عندما إذا كانت الأسماء لموضوع واحد باعتبار صفاته المختلفة كالسيف والصارم والهندي ، أو باعتبار صفته وصفة صفته كالناطق والفصيح وليس كذلك .

          ويفارق المرادف المؤكد من جهة أن اللفظ المرادف لا يزيد مرادفه إيضاحا ، ولا يشترط تقدم أحدهما على الآخر ، ولا يرادف الشيء بنفسه بخلاف المؤكد . والتابع في اللفظ فمخالف لهما فإنه لا بد وأن يكون على وزن المتبوع ، وأنه قد لا يفيد معنى أصلا كقولهم : حسن بسن ، وشيطان ليطان ، ولهذا قال ابن دريد : سألت أبا حاتم عن معنى قولهم " بسن " فقال : ما أدري ما هو .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية