الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 250 ] المسألة الثالثة عشرة

          اختلفوا في اشتراط عدد التواتر في الإجماع ، فمن استدل على كون الإجماع حجة بدلالة العقل وهو أن الجمع الكثير لا يتصور تواطؤهم على الخطأ كإمام الحرمين وغيره فلا بد من اشتراط ذلك عنده لتصور الخطأ على من دون عدد التواتر .

          وأما من احتج على ذلك بالأدلة السمعية ، فقد اختلفوا فمنهم من شرطه ومنهم من لم يشترطه .

          والحق أنه غير مشترط لما بيناه من أن إثبات الإجماع بطريق العقل غير متصور ، وأنه لا طريق إليه سوى الأدلة السمعية من الكتاب والسنة ، وعلى هذا فمهما كان عدد الإجماع أنقص من عدد التواتر صدق عليهم لفظ ( الأمة ) و ( المؤمنين ) وكانت الأدلة السمعية موجبة لعصمتهم عن الخطأ عليهم ، ووجب اتباعهم .

          فإن قيل : ما ذكرتموه إنما يصح بتقدير عود عدد المسلمين إلى ما دون عدد التواتر ، وذلك غير متصور مهما دام التكليف من الله تعالى بدين الإسلام ، وذلك لأن التكليف به إنما يكون مع قيام الحجة على ذلك ، والحجة على ذلك إنما تكون بالنقل المفيد لوجود محمد وتحديه بالرسالة ، وما ورد على لسانه من معجز الكتاب والسنة وأدلة الأحكام يقينا ، ولا يفيد ذلك غير التواتر من أخبار المسلمين لعدم نقل غيرهم لذلك ومبالغتهم في محو ذلك وإعدامه .

          سلمنا إمكان انتفاء التكليف مع عود عدد المجمعين إلى ما دون عدد التواتر ولكن ما دون عدد التواتر مما لا يعلم إسلامهم وإيمانهم بأقوالهم ، ومن لا يعلم إيمانه لا يعلم صدقه في الخبر عن الدين .

          سلمنا إمكان حصول العلم بأقوال من عددهم دون عدد التواتر فلو لم يبق من الأمة سوى واحد هل تقوم الحجة بقوله أم لا ؟

          والجواب عن الأول : أنا إن قلنا إن أهل الإجماع هم أهل الحل والعقد ، فلا يلزم من نقصان عددهم عن عدد التواتر انقطاع الحجة بالتكليف ؛ لإمكان حصول المعرفة بذلك من أخبار المجتهدين والعامة جميعا ، فإنه ليس من شرط التواتر أن [ ص: 251 ] يكون ناقله مجتهدا ، وإن قلنا إن العوام داخلة في الإجماع ومع ذلك فعدد الجميع دون عدد التواتر ، فلا يلزم أيضا انقطاع ذلك لإمكان إدامة الله ذلك بأخبار المسلمين وأخبار الكفار معهم ، وإن كانوا لا يعترفون بنبوة محمد عليه السلام وبخبر العدد القليل لاحتفاف القرائن المفيدة للعلم بأخبارهم .

          ويدل على ذلك قوله عليه السلام : " لا تزال طائفة من أمتي تقوم بالحق حتى يأتي أمر الله " ، وبتقدير عدم ذلك كله فانقطاع التكليف وانتهاء الإسلام غير ممتنع عقلا ولا شرعا .

          ولذلك قال عليه السلام : " أول ما يفقد من دينكم الأمانة ، وآخر ما يفقد الصلاة " ، وقال عليه السلام : " إن الله لا ينزع العلم من صدور الرجال ، ولكن ينزع العلم بقبض العلماء ، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا ، فإذا سئلوا أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " .

          وعن السؤال الثاني : أنه لا بعد في حصول العلم بخبرهم بما يحتف به من القرائن ، بل ولا بعد في ذلك وإن كان المخبر واحدا ، وأن يخلق الله لنا العلم الضروري بذلك .

          وعن السؤال الثالث : أن ذلك مما اختلف فيه جواب الأصحاب ، فمنهم من قال : إن قوله يكون حجة متبعة ; لأنه إذا لم يوجد من الأمة سواه صدق عليه إطلاق لفظ ( الأمة ) .

          ودليله قوله تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا ) أطلق لفظ ( الأمة ) عليه وهو واحد .

          والأصل في الإطلاق الحقيقة ، وإذا كان أمة كانت النصوص السابق ذكرها متناولة له حسب تناولها للجمع الكثير .

          ومنهم من أنكر ذلك مصيرا منه إلى أن لفظ ( الإجماع ) مشعر بالاجتماع وأقل ما يكون ذلك من اثنين فصاعدا .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية