الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 45 ] المسألة الثانية

          اختلف الأصوليون في اشتمال اللغة على الأسماء المجازية ، فنفاه الأستاذ أبو إسحاق ومن تابعه ، وأثبته الباقون وهو الحق .

          [1] حجة المثبتين أنه قد ثبت إطلاق أهل اللغة اسم الأسد على الإنسان الشجاع ، والحمار على الإنسان البليد ، وقولهم : ظهر الطريق ومتنها ، وفلان على جناح السفر ، وشابت لمة الليل ، وقامت الحرب على ساق ، وكبد السماء ، إلى غير ذلك .

          وإطلاق هذه الأسماء لغة مما لا ينكر إلا عن عناد ، وعند ذلك فإما أن يقال : إن هذه الأسماء حقيقة في هذه الصور ، أو مجازية لاستحالة خلو الأسماء اللغوية عنهما ما سوى الوضع الأول كما سبق تحقيقه ، لا جائز أن يقال بكونها حقيقة فيها ; لأنها حقيقة فيما سواها بالاتفاق .

          فإن لفظ الأسد حقيقة في السبع ، والحمار في البهيمة ، والظهر والمتن والساق والكبد في الأعضاء المخصوصة بالحيوان ، واللمة في الشعر إذا جاوز شحمة الأذن . وعند ذلك فلو كانت هذه الأسماء حقيقية فيما ذكر من الصور لكان اللفظ مشتركا ، ولو كان مشتركا لما سبق إلى الفهم عند إطلاق هذه الألفاظ البعض دون البعض ضرورة التساوي في الدلالة الحقيقية . ولا شك أن السابق إلى الفهم من إطلاق لفظ الأسد إنما هو السبع ، ومن إطلاق لفظ الحمار إنما هو البهيمة ، وكذلك في باقي الصور .

          كيف وإن أهل الأعصار لم تزل تتناقل في أقوالها وكتبها عن أهل الوضع تسمية هذا حقيقة وهذا مجازا .

          [2] [ ص: 46 ] فإن قيل : لو كان في لغة العرب لفظ مجازي فإما أن يفيد معناه بقرينة أو لا بقرينة ، فإن كان الأول فهو مع القرينة لا يحتمل غير ذلك المعنى ، فكان مع القرينة حقيقة في ذلك المعنى . وإن كان الثاني فهو أيضا حقيقة ; إذ لا معنى للحقيقة إلا ما يكون مستقلا بالإفادة من غير قرينة .

          وأيضا فإنه ما من صورة من الصور إلا ويمكن أن يعبر عنها باللفظ الحقيقي الخاص بها ، فاستعمال اللفظ المجازي فيها مع افتقاره إلى القرينة من غير حاجة بعيد عن أهل الحكمة والبلاغة في وضعهم .

          قلنا : جواب الأول أن المجاز لا يفيد عند عدم الشهرة إلا بقرينة ، ولا معنى للمجاز سوى هذا ، والنزاع في ذلك لفظي [3] ، كيف وإن المجاز والحقيقة من صفات الألفاظ دون القرائن المعنوية ، فلا تكون الحقيقة صفة للمجموع .

          وجواب الثاني : أن الفائدة في استعمال اللفظ المجازي دون الحقيقة قد تكون لاختصاصه بالخفة على اللسان ، أو لمساعدته في وزن الكلام نظما ونثرا ، والمطابقة ، والمجانسة ، والسجع ، وقصد التعظيم ، والعدول عن الحقيقي للتحقير ، إلى غير ذلك من المقاصد المطلوبة في الكلام .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية