[ ص: 13 ] القسم الثاني
في المبادئ اللغوية
كنا بينا فيما تقدم وجه استمداد الأصول من اللغة فلا بد من تعريف المبادئ المأخوذة منها ، ولنقدم على ذلك مقدمة فنقول :
اعلم أنه لما كان نوع الإنسان أشرف موجود في عالم السفليات ; لكونه مخلوقا لمعرفة الله تعالى التي هي أجل المطلوبات وأسنى المرغوبات ، بما خصه الله به من العقل الذي به إدراك المعقولات ، والميز بين حقائق الموجودات على ما قال عليه السلام حكاية عن ربه : ( كنت كنزا لم أعرف ، فخلقت خلقا لأعرف به .
[1] ولما كان هذا المقصود لا يتم دون الاطلاع على المقدمات النظرية المستندة إلى القضايا الضرورية ، المتوسل بها إلى مطلوباته وتحقيق حاجاته ، وكان كل واحد لا يستقل بتحصيل معارفه بنفسه وحده دون معين ومساعد له من نوعه ، دعت الحاجة إلى نصب دلائل يتوصل بها كل واحد إلى معرفة ما في ضمير الآخر من المعلومات المعينة له في تحقيق غرضه ، وأخف ما يكون من ذلك ما كان من الأفعال الاختيارية ، وأخف ما يكون من ذلك ما كان منها لا يفتقر إلى الآلات والأدوات ولا فيه ضرر الازدحام ولا بقاء له مع الاستغناء عنه ، وهو مقدور عليه في كل الأوقات من غير مشقة ولا نصب ، وذلك هو ما يتركب من المقاطع الصوتية التي خص بها نوع الإنسان دون سائر أنواع الحيوان عناية من الله تعالى به .
ومن اختلاف تركيبات المقاطع الصوتية حدثت الدلائل الكلامية والعبارات اللغوية .
[ ص: 14 ] وهي إما أن لا تكون موضوعة لمعنى ، أو هي موضوعة .
والقسم الأول مهمل لا اعتبار به ، والثاني يستدعي النظر في أنواعه ، وابتداء وضعه وطريق معرفته ، فهذان أصلان لا بد من النظر فيهما .
الأصل الأول
في أنواعه وهي نوعان
وذلك لأنه إما أن يكون اللفظ الدال بالوضع مفردا أو مركبا .
الأول : في المفرد ، وفيه ستة فصول .