[ ص: 127 ] الفصل السادس
في الأحكام الثابتة بخطاب الوضع والأخبار وهي على أصناف :
الصنف الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=20591الحكم على الوصف بكونه سببا nindex.php?page=treesubj&link=20592والسبب في اللغة عبارة عما يمكن التوصل به إلى مقصود ما .
ومنه سمي الحبل سببا والطريق سببا ; لإمكان التوصل بهما إلى المقصود . وإطلاقه في اصطلاح المتشرعين على بعض مسمياته في اللغة ، وهو كل وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه معرفا لحكم شرعي . ولا يخفى ما فيه من الاحتراز .
وهو منقسم إلى ما لا يستلزم في تعريفه للحكم حكمة باعثة عليه ، كجعل زوال الشمس أمارة معرفة لوجوب الصلاة في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أقم الصلاة لدلوك الشمس ) وفي قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355099إذا زالت الشمس فصلوا " ، وكجعل طلوع هلال رمضان أمارة على وجوب صوم رمضان بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، وقوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355100صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " ونحوه .
وإلى ما يستلزم حكمة باعثة للشرع على شرع الحكم المسبب كالشدة المطربة المعرفة لتحريم شرب النبيذ لا لتحريم شرب الخمر في الأصل المقيس عليه ، فإن تحريم شرب الخمر معروف بالنص أو الإجماع لا بالشدة المطربة
[1] ، ولأنها لو كانت معرفة له فهي لا يعرف كونها علة بالاستنباط إلا بعد معرفة الحكم في الأصل ، وذلك دور ممتنع .
وعلى هذا فالحكم الشرعي ليس هو نفس الوصف المحكوم عليه بالسببية ، بل حكم الشرع عليه بالسببية .
وعلى هذا فكل واقعة عرف الحكم فيها بالسبب لا بدليل آخر من الأدلة السمعية ، فلله تعالى فيها حكمان : أحدهما الحكم المعرف بالسبب ، والآخر السببية المحكوم بها على الوصف المعرف للحكم ، وفائدة نصبه سببا معرفا للحكم
[ ص: 128 ] عسر وقوف المكلفين على خطاب الشرع في كل واقعة من الوقائع بعد انقطاع الوحي ، حذرا من تعطيل أكثر الوقائع عن الأحكام الشرعية
[2] ، وسواء كان السبب مما يتكرر بتكرره الحكم ، كما ذكرناه من زوال الشمس وطلوع الهلال وغيره من أسباب الضمانات والعقوبات والمعاملات ، أو غير متكرر به كالاستطاعة في الحج ونحوه ، وسواء كان وصفا وجوديا أو عدميا شرعيا أو غير شرعي ، على ما يأتي تحقيقه في القياس .
وإذا أطلق على السبب أنه موجب للحكم فليس معناه أنه يوجبه لذاته وصفة نفسه وإلا كان موجبا له قبل ورود الشرع ، وإنما معناه أنه معرف للحكم لا غير
[3] ، كما ذكرناه في تحديده .
فإن قيل : لو كانت السببية حكما شرعيا لافتقرت في معرفتها إلى سبب آخر يعرفها ، ويلزم من ذلك إما الدور إن افتقر كل واحد من السببين إلى الآخر - وأيضا فإن الوصف المعرف للحكم إما يعرفه بنفسه أو بصفة زائدة - وإما التسلسل وهو محال .
فإن كان الأول لزم أن يكون معرفا له قبل ورود الشرع وهو محال ، وإن كان بصفة زائدة عليه فالكلام في تلك الصفة كالكلام في الأول وهو تسلسل ممتنع ، وأيضا فإن الطريق إلى معرفة كون الوصف سببا للحكم إنما هو ما يستلزمه من الحكمة المستدعية للحكم من جلب مصلحة أو دفع مفسدة ، وذلك ممتنع لوجهين : الأول : أنه لو كانت الحكمة معرفة لحكم السببية لأمكن تعريف الحكم المسبب بها من غير حاجة إلى توسط الوصف ، وليس كذلك بالإجماع .
الثاني : أن الحكمة إما أن تكون قديمة أو حادثة .
فإن كان الأول لزم من قدمها قدم موجبها وهو معرفة السببية ، وإن كان الثاني فلا بد لها من معرف آخر لخفائها ، والتقسيم في ذلك المعرف عائد بعينه .
[ ص: 129 ] قلنا : معرفة السببية مستندة إلى الخطاب
[4] أو إلى الحكمة الملازمة للوصف مع اقتران الحكم بها في صورة
[5] ، فلا تستدعي سببا آخر يعرفها حتى يلزم الدور أو التسلسل ، وبما ذكرناه هاهنا يكون دفع إشكال الثاني
[6] أيضا .
[7] وأما الوجه الأول من الإشكال الثالث : فالوجه في دفعه أن الحكمة المعرفة للسببية ليس مطلق حكمة بل الحكمة المضبوطة بالوصف المقترن بالحكم ، فلا تكون بمجردها معرفة للحكم ، فإنها إذا كانت خفية غير مضبوطة بنفسها ولا بملزومها من الوصف ، فلا يمكن تعريف الحكم بها لعدم الوقوف على ما به التعريف لاضطرابها واختلافها باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان ، وما هذا شأنه فدأب
[8] الشارع فيه رد الناس إلى المظان الظاهرة المنضبطة المستلزمة لاحتمال الحكمة دفعا للعسر والحرج عنهم .
وأما الوجه الثاني منه : فالوجه في دفعه أن يقال : الحكمة إذا كانت مضبوطة بالوصف فهي معروفة بنفسها غير مفتقرة إلى معرف آخر ، ولا يلزم من تقدمها على ورود الشرع أن تكون معرفة للسببية لتوقف ذلك على اعتبارها في الشرع ، ولا اعتبار لها قبل ورود الشرع ، وإذا عرف معنى السبب شرعا فلو تخلف الحكم عنه في صورة من الصور فهل تبطل سببيته أم لا ؟ فسيأتي الكلام عليه في مسألة تخصيص العلة فيما بعد .
[ ص: 127 ] الْفَصْلُ السَّادِسُ
فِي الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِخِطَابِ الْوَضْعِ وَالْأَخْبَارِ وَهِيَ عَلَى أَصْنَافٍ :
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=20591الْحُكْمُ عَلَى الْوَصْفِ بِكَوْنِهِ سَبَبًا nindex.php?page=treesubj&link=20592وَالسَّبَبُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ إِلَى مَقْصُودٍ مَا .
وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَبْلُ سَبَبًا وَالطَّرِيقُ سَبَبًا ; لِإِمْكَانِ التَّوَصُّلِ بِهِمَا إِلَى الْمَقْصُودِ . وَإِطْلَاقُهُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَشَرِّعِينَ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ فِي اللُّغَةِ ، وَهُوَ كُلُّ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ دَلَّ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ عَلَى كَوْنِهِ مُعَرِّفًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ . وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِرَازِ .
وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى مَا لَا يَسْتَلْزِمُ فِي تَعْرِيفِهِ لِلْحُكْمِ حِكْمَةً بَاعِثَةً عَلَيْهِ ، كَجَعْلِ زَوَالِ الشَّمْسِ أَمَارَةً مُعَرِّفَةً لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355099إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَصَلُّوا " ، وَكَجَعْلِ طُلُوعِ هِلَالِ رَمَضَانَ أَمَارَةً عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355100صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " وَنَحْوِهِ .
وَإِلَى مَا يَسْتَلْزِمُ حِكْمَةً بَاعِثَةً لِلشَّرْعِ عَلَى شَرْعِ الْحُكْمِ الْمُسَبَّبِ كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ الْمُعَرِّفَةِ لِتَحْرِيمِ شُرْبِ النَّبِيذِ لَا لِتَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّ تَحْرِيمَ شُرْبِ الْخَمْرِ مَعْرُوفٌ بِالنَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ لَا بِالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ
[1] ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُعَرِّفَةً لَهُ فَهِيَ لَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا عِلَّةً بِالِاسْتِنْبَاطِ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ ، وَذَلِكَ دَوْرٌ مُمْتَنِعٌ .
وَعَلَى هَذَا فَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْوَصْفِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالسَّبَبِيَّةِ ، بَلْ حَكَمَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ بِالسَّبَبِيَّةِ .
وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ وَاقِعَةٍ عُرِفَ الْحُكْمُ فِيهَا بِالسَّبَبِ لَا بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ ، فَلِلَّهِ تَعَالَى فِيهَا حُكْمَانِ : أَحَدُهُمَا الْحُكْمُ الْمُعَرِّفُ بِالسَّبَبِ ، وَالْآخَرُ السَّبَبِيَّةُ الْمَحْكُومُ بِهَا عَلَى الْوَصْفِ الْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ ، وَفَائِدَةُ نَصْبِهِ سَبَبًا مُعَرِّفًا لِلْحُكْمِ
[ ص: 128 ] عُسْرُ وُقُوفِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى خِطَابِ الشَّرْعِ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ مِنَ الْوَقَائِعِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ ، حَذَرًا مِنْ تَعْطِيلِ أَكْثَرِ الْوَقَائِعِ عَنِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ
[2] ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّبَبُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ الْحُكْمُ ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْهِلَالِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ ، أَوْ غَيْرَ مُتَكَرِّرٍ بِهِ كَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ وَنَحْوِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ وَصْفًا وُجُودِيًّا أَوْ عَدَمِيًّا شَرْعِيًّا أَوْ غَيْرَ شَرْعِيٍّ ، عَلَى مَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي الْقِيَاسِ .
وَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى السَّبَبِ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُوجِبُهُ لِذَاتِهِ وَصِفَةِ نَفْسِهِ وَإِلَّا كَانَ مُوجِبًا لَهُ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُعَرِّفٌ لِلْحُكْمِ لَا غَيْرُ
[3] ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَحْدِيدِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَتِ السَّبَبِيَّةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَافْتَقَرَتْ فِي مَعْرِفَتِهَا إِلَى سَبَبٍ آخَرَ يُعَرِّفُهَا ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِمَّا الدَّوْرُ إِنِ افْتَقَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبَبَيْنِ إِلَى الْآخَرِ - وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَصْفَ الْمُعَرِّفَ لِلْحُكْمِ إِمَّا يُعَرِّفُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِصِفَةٍ زَائِدَةٍ - وَإِمَّا التَّسَلْسُلُ وَهُوَ مُحَالٌ .
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُعَرِّفًا لَهُ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَهُوَ مُحَالٌ ، وَإِنْ كَانَ بِصِفَةٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهِ فَالْكَلَامُ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ كَالْكَلَامِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ تَسَلْسُلٌ مُمْتَنِعٌ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الطَّرِيقَ إِلَى مَعْرِفَةِ كَوْنِ الْوَصْفِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ إِنَّمَا هُوَ مَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ الْحِكْمَةِ الْمُسْتَدْعِيَةِ لِلْحُكْمِ مِنْ جَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِوَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْحِكْمَةُ مُعَرِّفَةً لِحُكْمِ السَّبَبِيَّةِ لَأَمْكَنَ تَعْرِيفُ الْحُكْمِ الْمُسَبَّبِ بِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى تَوَسُّطِ الْوَصْفِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْحِكْمَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً أَوْ حَادِثَةً .
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَزِمَ مِنْ قِدَمِهَا قِدَمُ مُوجِبِهَا وَهُوَ مَعْرِفَةُ السَّبَبِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُعَرِّفٍ آخَرَ لِخَفَائِهَا ، وَالتَّقْسِيمُ فِي ذَلِكَ الْمُعَرِّفِ عَائِدٌ بِعَيْنِهِ .
[ ص: 129 ] قُلْنَا : مَعْرِفَةُ السَّبَبِيَّةِ مُسْتَنِدَةٌ إِلَى الْخِطَابِ
[4] أَوْ إِلَى الْحِكْمَةِ الْمُلَازِمَةِ لِلْوَصْفِ مَعَ اقْتِرَانِ الْحُكْمِ بِهَا فِي صُورَةٍ
[5] ، فَلَا تَسْتَدْعِي سَبَبًا آخَرَ يُعَرِّفُهَا حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ أَوِ التَّسَلْسُلُ ، وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا يَكُونُ دَفْعُ إِشْكَالِ الثَّانِي
[6] أَيْضًا .
[7] وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنَ الْإِشْكَالِ الثَّالِثِ : فَالْوَجْهُ فِي دَفْعِهِ أَنَّ الْحِكْمَةَ الْمُعَرِّفَةَ لِلسَّبَبِيَّةِ لَيْسَ مُطْلَقَ حِكْمَةٍ بَلِ الْحِكْمَةُ الْمَضْبُوطَةُ بِالْوَصْفِ الْمُقْتَرِنِ بِالْحُكْمِ ، فَلَا تَكُونُ بِمُجَرَّدِهَا مَعْرِفَةً لِلْحُكْمِ ، فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ خَفِيَّةً غَيْرَ مَضْبُوطَةٍ بِنَفْسِهَا وَلَا بِمَلْزُومِهَا مِنَ الْوَصْفِ ، فَلَا يُمْكِنُ تَعْرِيفُ الْحُكْمِ بِهَا لِعَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا بِهِ التَّعْرِيفُ لِاضْطِرَابِهَا وَاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ ، وَمَا هَذَا شَأْنُهُ فَدَأْبُ
[8] الشَّارِعِ فِيهِ رَدُّ النَّاسِ إِلَى الْمَظَانِّ الظَّاهِرَةِ الْمُنْضَبِطَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِاحْتِمَالِ الْحِكْمَةِ دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَالْحَرَجِ عَنْهُمْ .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْهُ : فَالْوَجْهُ فِي دَفْعِهِ أَنْ يُقَالَ : الْحِكْمَةُ إِذَا كَانَتْ مَضْبُوطَةً بِالْوَصْفِ فَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرُ مُفْتَقِرَةٍ إِلَى مُعَرِّفٍ آخَرَ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِهَا عَلَى وُرُودِ الشَّرْعِ أَنْ تَكُونَ مُعَرِّفَةً لِلسَّبَبِيَّةِ لِتَوَقُّفِ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِهَا فِي الشَّرْعِ ، وَلَا اعْتِبَارَ لَهَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ ، وَإِذَا عُرِفَ مَعْنَى السَّبَبِ شَرْعًا فَلَوْ تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهُ فِي صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ فَهَلْ تَبْطُلُ سَبَبِيَّتُهُ أَمْ لَا ؟ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فِيمَا بَعْدُ .