الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 172 ] المقدمة الثانية

          في معنى التأسي والمتابعة والموافقة والمخالفة إذ الحاجة داعية إلى معرفة ذلك فيما نرومه من النظر في مسائل الأفعال .

          أما التأسي بالغير : فقد يكون في الفعل والترك .

          أما التأسي في الفعل : فهو أن تفعل مثل فعله على وجهه من أجل فعله .

          فقولنا : ( مثل فعله ) لأنه لا تأسي مع اختلاف صورة الفعل ، كالقيام والقعود .

          وقولنا : ( على وجهه ) معناه المشاركة في غرض ذلك الفعل ونيته ; لأنه لا تأسي مع اختلاف الفعلين في كون أحدهما واجبا والآخر ليس بواجب وإن اتحدت الصورة .

          وقولنا : ( من أجل فعله ) لأنه لو اتفق فعل شخصين في الصورة والصفة ، ولم يكن أحدهما من أجل الآخر ، كاتفاق جماعة في صلاة الظهر مثلا أو صوم رمضان اتباعا لأمر الله تعالى ، فإنه لا يقال بتأسي البعض بالبعض .

          وعلى هذا ، فلو وقع فعله في مكان أو زمان مخصوص فلا مدخل له في المتابعة والتأسي .

          وسواء تكرر أو لم يتكرر إلا أن يدل الدليل على اختصاص العبادة به ، كاختصاص الحج بعرفات ، واختصاص الصلوات بأوقاتها وصوم رمضان .

          وأما التأسي في الترك ، فهو ترك أحد الشخصين مثل ما ترك الآخر من الأفعال على وجهه وصفته من أجل أنه ترك .

          ولا يخفى وجه ما فيه من القيود .

          وأما المتابعة ، فقد تكون في القول وقد تكون في الفعل والترك ، فاتباع القول هو امتثاله على الوجه الذي اقتضاه القول .

          والاتباع في الفعل هو التأسي بعينه .

          وأما الموافقة ، فمشاركة أحد الشخصين للآخر في صورة قول أو فعل أو ترك أو اعتقاد ذلك أو غير ذلك .

          وسواء كان ذلك من أجل ذلك الآخر أو لا من أجله .

          وأما المخالفة ، فقد تكون في القول ، وقد تكون في الفعل والترك فالمخالفة في القول ترك امتثال ما اقتضاه القول .

          وأما المخالفة في الفعل ، فهو العدول عن فعل مثل ما فعله الغير مع وجوبه .

          [ ص: 173 ] ولهذا فإن من فعل فعلا ولم يجب على غيره مثل فعله لا يقال له إنه مخالف في الفعل ، بتقدير الترك .

          ولذلك لم تكن الحائض مخالفة بترك الصلاة لغيرها .

          وعلى هذا فلا يخفى وجوه المخالفة في الترك .

          وإذ أتينا على ما أردناه من ذكر المقدمتين ، فلنرجع إلى المقصود من المسائل المتعلقة بأفعال الرسول عليه السلام .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية