الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          المسألة الثالثة

          إذا فعل واحد بين يدي النبي عليه السلام فعلا أو في عصره ، وهو عالم به قادر على إنكاره ، فسكت عنه وقرره عليه من غير نكير عليه ، فلا يخلو : إما أن يكون النبي عليه السلام قد عرف قبح ذلك الفعل وتحريمه من قبل ، أو لم يكن كذلك .

          فإن كان الأول ، فإما أن يكون قد علم إصرار ذلك الفاعل على فعله ، وعلم من النبي عليه السلام الإصرار على قبح ذلك الفعل وتحريمه كاختلاف أهل الذمة إلى كنائسهم أو لم يكن كذلك .

          فإن كان الأول ، فالسكوت عنه لا يدل على جوازه وإباحته إجماعا ولا يوهم كونه منسوخا .

          وإن كان الثاني ، فالسكوت عنه وتقريره له إنكار يدل على نسخه [ ص: 189 ] عن ذلك الشخص .

          وإلا لما ساغ السكوت حتى لا يتوهم أنه منسوخ عنه فيقع في المحذور ، وفيه تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو غير جائز بالإجماع إلا على رأي من يجوز التكليف بما لا يطاق .

          وأما إن لم يكن النبي عليه السلام قد سبق منه النهي عن ذلك الفعل ولا عرف تحريمه ، فسكوته عن فاعله وتقريره له عليه ولا سيما إن وجد منه استبشار وثناء على الفاعل ، فإنه يدل على جوازه ورفع الحرج عنه وذلك لأنه لو لم يكن فعله جائزا لكان تقريره له عليه مع القدرة على إنكاره ، وكان استبشاره وثناؤه عليه حراما على النبي عليه السلام .

          وهو وإن كان من الصغائر الجائزة على النبي عليه السلام عند قوم إلا أنه في غاية البعد لا سيما فيما يتعلق ببيان الأحكام الشرعية ، وإذا كان كذلك فالإنكار هو الغالب ، فحيث لم يوجد ذلك منه دل على الجواز غالبا .

          فإن قيل : يحتمل أنه لم ينكر عليه : إما لعلمه بأنه لم يبلغه التحريم فلم يكن الفعل عليه حراما إذ ذاك أو ؛ لأنه علم بلوغ التحريم إليه ، ولم يرجع فيه وأصر على ما هو عليه أو لأنه منعه مانع من الإنكار .

          قلنا : عدم بلوغ التحريم إليه غير مانع من الإنكار ، والإعلام بأن ذلك الفعل حرام بل الإعلام بالتحريم واجب ، حتى لا يعود إليه ثانيا وإلا كان السكوت مما يوهم : إما عدم دخوله في عموم التحريم أو النسخ ، وأما إذا علم ذلك الشخص التحريم وأصر على فعله مع كونه مسلما متبعا للنبي عليه السلام ، فلا بد من تجديد الإنكار حتى لا يتوهم نسخه .

          ولا يلزم على هذا تجديد الإنكار على اختلاف أهل الذمة إلى كنائسهم إذ هم غير متبعين له ، ولا يعتقدون تحريم ذلك حتى يقال : يتوهم نسخ ذلك بسكوت النبي عليه السلام عن الإنكار عليهم .

          وما ذكروه من احتمال المانع ، وإن كان قائما عقلا غير أن الأصل عدمه ، وهو في غاية البعد ولا سيما بعد ظهور شوكته واستيلائه وقهره لمن سواه .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية