المسألة الأولى
اختلفوا في تصور اتفاق [1] أهل الحل والعقد على حكم واحد غير معلوم بالضرورة فأثبته الأكثرون ونفاه الأقلون مصيرا منهم إلى أن اتفاقهم على ذلك الحكم إما أن يكون عن دليل قاطع لا يحتمل التأويل ، أو عن دليل ظني .
لا جائز أن يقال بالأول وإلا لكانت العادة محيلة لعدم نقله وتواطئ الجمع الكثير على إخفائه ، فحيث لم ينقل دل على عدمه .
كيف وأنه لو نقل لكان كافيا في الدلالة عن إجماعهم ولا جائز أن يقال بالثاني ; لأنهم مع كثرتهم واختلاف أذهانهم ودواعيهم في الاعتراف بالحق والعناد ، فالعادة أيضا تحيل اتفاقهم على الحكم الواحد كما أنها تحيل اتفاقهم على أكل [ ص: 197 ] طعام واحد معين في يوم واحد ، وهو باطل فإنه إن كان إجماعهم عن دليل قاطع فإنما يمتنع عدم نقله أن لو دعت الحاجة إليه ، وإنما تدعو الحاجة إليه أن لو لم يكن الإجماع على ذلك الحكم كافيا عنه ، وهو محل النزاع .
وإن كان ذلك عن دليل ظني فلا يمتنع معه اتفاق الجمع الكبير على حكمه بدليل اتفاق أهل الشبه على أحكامها مع الأدلة القاطعة على مناقضتها ، كاتفاق اليهود والنصارى على إنكار بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، واتفاق الفلاسفة على قدم العالم والمجوس على التثنية مع كثرة عددهم كثرة لا تحصى ، فالاتفاق على الدليل الظني الخالي عن معارضة القاطع له أولى أن لا يمتنع عادة [2] وخرج عليه امتناع اتفاق الجمع الكثير على أكل طعام معين في وقت واحد في العادة لعدم الصارف إليه ، كيف وأن جميع ما ذكروه منتقض بما وجد من اتفاق جميع المسلمين فضلا عن اتفاق أهل الحل والعقد مع خروج عددهم عن الحصر على وجوب الصلوات الخمس ، وصوم رمضان ، ووجوب الزكاة والحج ، وغير ذلك من الأحكام التى لم يكن طريق العلم بها الضرورة
[3] والوقوع دليل التصور وزيادة .