[ ص: 229 ] المسألة السادسة
nindex.php?page=treesubj&link=21639المجتهد المطلق ، إذا كان مبتدعا لا يخلو ; إما أن لا يكفر ببدعته أو يكفر ، فإن كان الأول فقد اختلفوا في انعقاد الإجماع مع مخالفته نفيا وإثباتا
[1] ، ومنهم من قال : الإجماع لا ينعقد عليه بل على غيره ، فيجوز له مخالفة إجماع من عداه ، ولا يجوز ذلك لغيره .
والمختار أنه لا ينعقد الإجماع دونه ، لكونه من أهل الحل والعقد وداخلا في مفهوم لفظ الأمة المشهود لهم بالعصمة ، وغايته أن يكون فاسقا ، وفسقه غير مخل بأهلية الاجتهاد ، والظاهر من حاله فيما يخبر به عن اجتهاده الصدق ، كإخبار غيره من المجتهدين .
كيف وإنه قد يعلم صدق الفاسق بقرائن أحواله في مباحثاته وفلتات لسانه ، وإذا علم صدقه ، وهو مجتهد كان كغيره من المجتهدين .
فإن قيل : إذا كان فاسقا ، فالفاسق غير مقبول القول إجماعا فيما يخبر به ، فكان كالكافر والصبي ، ولأنه لا يجوز تقليده فيما يفتي به فلا يعتبر خلافه كالصبي .
قلنا : إنما لا يقبل قوله فيما يخبر به إذا لم يكن متأولا وكان عالما بفسقه ، وأما إذا لم يكن كذلك فلا ، وعلى هذا فلا نسلم امتناع قبول فتواه بالنسبة إلى من ظهر صدقه عنده .
وأما الصبي فإنما لم يعتبر قوله لعدم أهليته بخلاف ما نحن فيه ، وإن كان الثاني فلا خلاف في أنه غير داخل في الإجماع لعدم دخوله في مسمى الأمة المشهود لهم بالعصمة ، وإن لم يعلم هو كفر نفسه .
وعلى هذا فلو خالف في مسألة فرعية وبقي مصرا على المخالفة حتى تاب عن بدعته فلا أثر لمخالفته ; لانعقاد إجماع جميع الأمة الإسلامية قبل إسلامه كما لو أسلم ثم خالف إلا على رأي من يشترط في الإجماع انقراض عصر المجمعين ،
[ ص: 230 ] ولو ترك بعض الفقهاء العمل بالإجماع بخلاف هذا المبتدع المكفر فهو معذور ، إن لم يعلم ببدعته ، ولا يؤاخذ بالمخالفة كما إذا عمل الحاكم بشهادة شاهد الزور من غير علم بتزويره ، وإن علم ببدعته وخالف الإجماع لجهله بأن تلك البدعة مكفرة فهو غير معذور لتقصيره عن البحث والسؤال عن ذلك لعلماء الأصول
[2] العارفين بأدلة الإيمان والتكفير حتى يحصل له العلم بذلك بدليله إن كانت له أهلية فهمه ، وإلا قلدهم فيما يخبرون به من التكفير ، وأما ماذا يكفر به من البدع فقد استقصينا الكلام فيه في حكايات مذاهب أهل الملل والنحل في " أبكار الأفكار " فعليك بمراجعته .
[ ص: 229 ] الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=21639الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ ، إِذَا كَانَ مُبْتَدِعًا لَا يَخْلُو ; إِمَّا أَنْ لَا يُكَفَّرَ بِبِدْعَتِهِ أَوْ يُكَفَّرَ ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا
[1] ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْإِجْمَاعُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى غَيْرِهِ ، فَيَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ إِجْمَاعِ مَنْ عَدَاهُ ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ .
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ دُونَهُ ، لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَدَاخِلًا فِي مَفْهُومِ لَفْظِ الْأُمَّةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْعِصْمَةِ ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا ، وَفِسْقُهُ غَيْرُ مُخِلٍّ بِأَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ فِيمَا يُخْبَرُ بِهِ عَنِ اجْتِهَادِهِ الصِّدْقُ ، كَإِخْبَارِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ .
كَيْفَ وَإِنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ صِدْقُ الْفَاسِقِ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ فِي مُبَاحَثَاتِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ ، وَإِذَا عُلِمَ صِدْقُهُ ، وَهُوَ مُجْتَهِدٌ كَانَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ .
فَإِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَ فَاسِقًا ، فَالْفَاسِقُ غَيْرُ مَقْبُولِ الْقَوْلِ إِجْمَاعًا فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ ، فَكَانَ كَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِيمَا يُفْتِي بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ كَالصَّبِيِّ .
قُلْنَا : إِنَّمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَأَوِّلًا وَكَانَ عَالِمًا بِفِسْقِهِ ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا ، وَعَلَى هَذَا فَلَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ قَبُولِ فَتْوَاهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ عِنْدَهُ .
وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الْأُمَّةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْعِصْمَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هُوَ كُفْرَ نَفْسِهِ .
وَعَلَى هَذَا فَلَوْ خَالَفَ فِي مَسْأَلَةٍ فَرْعِيَّةٍ وَبَقِيَ مُصِرًّا عَلَى الْمُخَالَفَةِ حَتَّى تَابَ عَنْ بِدْعَتِهِ فَلَا أَثَرَ لِمُخَالَفَتِهِ ; لِانْعِقَادِ إِجْمَاعِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ خَالَفَ إِلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الْإِجْمَاعِ انْقِرَاضَ عَصْرِ الْمُجْمِعِينَ ،
[ ص: 230 ] وَلَوْ تَرَكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْعَمَلَ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ الْمُكَفَّرِ فَهُوَ مَعْذُورٌ ، إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِبِدْعَتِهِ ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِالْمُخَالَفَةِ كَمَا إِذَا عَمِلَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ شَاهِدِ الزُّورِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِتَزْوِيرِهِ ، وَإِنْ عَلِمَ بِبِدْعَتِهِ وَخَالَفَ الْإِجْمَاعَ لِجَهْلِهِ بِأَنَّ تِلْكَ الْبِدْعَةَ مُكَفِّرَةٌ فَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ لِتَقْصِيرِهِ عَنِ الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ لِعُلَمَاءِ الْأُصُولِ
[2] الْعَارِفِينَ بِأَدِلَّةِ الْإِيمَانِ وَالتَّكْفِيرِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ بِدَلِيلِهِ إِنْ كَانَتْ لَهُ أَهْلِيَّةُ فَهْمِهِ ، وَإِلَّا قَلَّدَهُمْ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ مِنَ التَّكْفِيرِ ، وَأَمَّا مَاذَا يُكَفَّرُ بِهِ مِنَ الْبِدَعِ فَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي حِكَايَاتِ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ فِي " أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ " فَعَلَيْكَ بِمُرَاجَعَتِهِ .