( التنبيه الثالث )
اعلم أن مما اتفقت على وجوبه جميع الأنبياء والمرسلين من لدن صفي الله أبي البشر الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله آدم عليه السلام إلى خاتمهم محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام ، فيجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين وتصديقهم في كل ما أخبروا به من الغيب ، وطاعتهم في كل ما أمروا به ونهوا عنه ، ولهذا أوجب سبحانه الإيمان بكل ما أتوا به ، ولم يوجبه بما أتى به غيرهم ، قال تعالى ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) فاتفق علماء الملة على كفر من كذب نبيا معلوم النبوة ، وكذا من سب نبيا أو انتقصه ، ويجب قتله ؛ لأن ، وتصديقهم فيما أخبروا به ، واتباعهم على جميع ما جاءوا به فهو حق وصدق ، قال الله تعالى ( الإيمان واجب بجميع الأنبياء ، وأن لا نفرق بين أحد منهم إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) وتقدم أن جميع الأنبياء عليهم السلام من لدن آدم إلى خاتمهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، وأن الرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ففي صحيح من حديث ابن حبان - رضي الله عنه - قال أبي ذر الغفاري دخلت المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وحده - فذكر حديثا طويلا ، وفيه - قلت : يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال : مائة ألف وعشرون ألفا ، قلت : يا رسول الله كم الرسل من ذلك ؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا ، قلت : يا رسول الله من كان أولهم ؟ قال : آدم عليه السلام ، قلت : يا رسول الله أنبي مرسل ؟ قال : نعم ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه وكلمه قبلا . ثم قال : يا أبا ذر أربعة سريانيون آدم وشيث [ ص: 264 ] وأخنوخ - وهو إدريس ، وهو أول من خط بالقلم - ونوح ، وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وعليهم أجمعين .
قلت : يا رسول الله كم كتابا أنزله الله ؟ قال : مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل على شيث خمسون صحيفة ، وأنزل على أخنوخ ثلاثون صحيفة ، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف ، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف ، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان - الحديث - وقد تكلم عليه الولي العراقي ، ورد على جماعة من الحفاظ لإدخاله هذا الحديث في الصحيح . وفي كتاب شرح الإيمان والإسلام ابن حبان لشيخ الإسلام ابن تيمية روح الله روحه في قول - رضي الله عنه - في الرسل وعددهم ، وأنه يجب الإيمان بهم ، ويصح الإقرار بهم في الجملة مع الكف عن عددهم ، وكذلك ذكر الإمام أحمد وغيرهما من أئمة السلف ، قال : وهذا يبين أنهم لم يعلموا عدد الكتب والرسل ، وأن حديث محمد بن نصر المروزي أبي ذر في ذلك لم يثبت عندهم . انتهى .
- رضي الله عنه - ذكر ذلك إلزاما لمن لم يقل بزيادة الإيمان من أجل أنهم لا يدرون ما زيادته ، وأنها غير محدودة فقال : ما تقولون في أنبياء الله وكتبه ورسله ؟ هل تقرون بهم في الجملة ، وتزعمون أنه من الإيمان ؟ فإذا قالوا نعم قيل لهم : هل تجدونهم وتعرفون عددهم ؟ أليس إنما تصيرون في ذلك إلى الإقرار بهم في الجملة ثم تكفون عن عددهم ؟ . والإمام أحمد
وهذا ظاهر في عدم معرفة . وقد ذكر أهل العقائد في عقائدهم هذا العدد معتمدين على حديث عدد الأنبياء والرسل والكتب أبي ذر على ما فيه ، وقد روي أن الأنبياء ألف ألف ومائة ألف ، والمشهور في الكتب أنهم مائة ألف وأربعة عشر ألفا ، وتقدم أن الواجب الإيمان بهم جملة لقوله تعالى ( منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ) فالواجب الإيمان بجميعهم إجمالا وتفصيلا فيمن ذكره الله تعالى في كتابه العزيز .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح : أن بنى إسرائيل كانوا أكثر الأمم أنبياء ، بعث إليهم موسى بن عمران عليه السلام بشريعة التوراة ، وبعث إليهم بعده أنبياء كثيرون حتى قيل إنهم ألف نبي كلهم يأمرون بشريعة التوراة ، ولا يغيرون منها شيئا [ ص: 265 ] إلى أن جاء المسيح بعد ذلك بشريعة أخرى غير فيها بعض شريعة التوراة بأمر الله - عز وجل .