- صلى الله عليه وسلم - وأول من يدخل الجنة من هذه الأمة من بعد نبيها كما رواه أبو بكر الصديق أبو داود في سننه من حديث رضي الله عنه . وروى أبي هريرة في المسند الإمام أحمد والترمذي ، وابن ماجه والحاكم من حديث معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " وأخرج إنكم تتمون - وفي لفظ - إنكم توفون - سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى " الترمذي من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " ، وقال : حديث حسن صحيح . إن الله فضلني على الأنبياء - أو قال أمتي على الأمم - وأحل لنا الغنائم
وفي صحيح مسلم : عن - رضي الله عنه - رفعه : " أبي موسى الأشعري اليهود والنصارى " وقد روى معنى هذا الحديث عن يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله ويضعها على أبي موسى أيضا الطبراني والحاكم وصححه وكذا ابن ماجه . وروي أيضا [ ص: 274 ] من حديث والطبراني أنس - رضي الله عنه - أخرجه ابن ماجه . وأخرجه والنسائي مسلم عن أبي موسى من وجه آخر بلفظ : " " قال إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول : هذا فداؤك من النار العلامة القرطبي : قال علماؤنا : هذه الأحاديث ليست على عمومها ، إنما هي في أناس مذنبين تفضل الله عليهم برحمته ، فأعطى كل واحد منهم فكاكا من النار . وقال : معنى قوله : يضعها على اليهود والنصارى ، أنه يضاعف عليهم عذاب كفرهم وذنوبهم حتى يكون عذابهم بقدر جرمهم وجرم مذنبي المسلمين لو أخذوا بذلك ؛ لأنه تعالى لا يأخذ أحدا بذنب أحد كما قال تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) وله تعالى أن يضاعف على من يشاء العذاب ، ويخفف عن من يشاء بحكم إرادته ومشيئته .
ويقال في الرواية الأخرى ، وهي قوله : ، معناه : أن المسلم المذنب لما كان يستحق مكانا في النار بسبب ذنوبه ، وعفا الله عنه بمنه ورحمته بقي مكانه خاليا منه أضاف ذلك المكان إلى يهودي أو نصراني ليعذب فيه زيادة على تعذيب مكانه الذي يستحقه بحسب كفره . لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه يهوديا أو نصرانيا النار
وقد جاءت أحاديث دالة على أن لكل مسلم من هذه الأمة مذنبا كان أو لا منزلين منزلا في الجنة ، ومنزلا في النار ، وكذا الكافر ، وذلك معنى قوله تعالى : ( أولئك هم الوارثون ) أي يرث المؤمنون منازل الكفار من الجنة ، والكفار منازل المؤمنين في النار ، إلا أن هذه الوراثة تختلف ، فمنهم من يرث بلا حساب ، ومنهم من يرث بحساب ومناقشة .
قال الإمام البيهقي : يحتمل أن يكون الفداء في قوم كانت ذنوبهم كفرت عنهم في حياتهم ، أو في من أخرج من النار ، يقال لهم ذلك بعد الخروج . وقال بعضهم : بل يحتمل أن يكون الفداء مجازا عن رؤية المنزلة التي تقدمت الإشارة إليها . ورجحه النووي وغيره . وقيل : المراد بالذنوب التي توضع على الكفار ذنوب كان الكفار سببا فيها بأن سنوها ، فلما غفرت سيئات المؤمنين بقيت سيئات الذي سن تلك البدعة السيئة باقية على أربابها الكفرة ؛ لأن الكفار لا يغفر لهم ، فيكون الوضع كناية عن إبقاء الذنب الذي لحق الكافر بما سنه من عمله السيئ الذي عمل به المؤمن . وقواه الحافظ ابن حجر . وبالله التوفيق .
[ ص: 275 ] وقد روي أن لكل واحد من مؤمني هذه الأمة نورين كالأنبياء السالفة ، روى أبو نعيم في ( الوفاء ) عن وابن الجوزي - رحمه الله تعالى - أنه سمع رجلا يقول : رأيت في المنام كأن الناس جمعوا للحساب فدعي الأنبياء ، فجاء مع كل نبي أمته ، ورأى لكل نبي نورين ، ولكل ممن اتبعه نور يمشي به ، فدعي كعب الأحبار محمد - صلى الله عليه وسلم - فإذا لكل شعرة في رأسه ووجهه نور ، ولكل من اتبعه نوران يمشي بهما - فقال كعب - وهو لا يشعر أنها رؤيا - من حدثك هذا ؟ قال : أنا ، والله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت هذا في المنام ، فقال : بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت هذا في منامك ؟ قال : نعم ، قال : والذي نفس كعب بيده إنها لصفة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته وصفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأممها في كتاب الله ، كأنما قرأه من التوراة .
وروى الحافظ أبو نعيم والحافظ ابن الجوزي في الوفاء عن أيضا أنه رأى حبرا من أحبار كعب الأحبار اليهود يبكي ، فقال له : ما يبكيك ؟ قال : ذكرت بعض الأمور ، فقال كعب : أنشدك الله لئن أخبرتك ما أبكاك لتصدقني ؟ قال : نعم ، قال : أنشدك الله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال : يا رب إني أجد خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر ، ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال ، قال : فقال موسى رب اجعلهم أمتي ، قال : هم أمة أحمد يا موسى ، قال الحبر : نعم - الحديث ، وفيه : قال موسى عليه السلام : ليتني من أمته أو من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام ، فأوحى الله تعالى إليه : ( يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ) الحديث .
ورويا من حديث - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة إن موسى عليه السلام لما نزلت عليه التوراة وقرأها فوجد فيها ذكر هذه الأمة قال : يا رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون ، والسابقون المشفوع لهم فاجعلها أمتي ، قال : تلك أمة أحمد ، الحديث .
وفيه قال : يا رب فاجعلني من أمة أحمد فأعطي عند ذلك خصلتين ، فقال : ( يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ) قال رضيت يا رب .
وذكره الإمام المحقق ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام .
[ ص: 276 ] وذكر الحافظ في تبصرته في قوله تعالى : ( ابن الجوزي كنتم خير أمة أخرجت للناس ) في كنتم قولان ، أحدهما : كان وصفكم في البشارة قبل وجودكم ، قاله الحسن ، الثاني : كنتم في سابق علم الله تعالى وحكمه ، أو في اللوح المحفوظ .
قال : أي : ما زلتم ، وقيل : إن معنى كنتم أي أنتم ، مثل قوله تعالى ( ابن الأنباري وكان الله غفورا رحيما ) قال ابن قتيبة : قد يأتي الفعل على بنية الماضي ، وهو ذاهب أو مستقبل كقوله : كنتم ، ومعناه أنتم ، ومثله ( وإذ قال الله ) أي يقول الله ، ومثله ( أتى أمر الله ) ونظائره . والله أعلم .