[ ص: 392 ] ( ( فصل ) ) في ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=28807كرامات الأولياء وإثباتها
وهذا من العقائد السنية التي يجب في اعتقادها ، ولا يجوز نفيها وإهمالها ، ولهذا قال :
( ( وكل خارق أتى عن صالح من تابع لشرعنا وناصح ) )
( ( فإنها من الكرامات التي بها نقول فاقف للأدلة ) )
( ( ومن نفاها من ذوي الضلال فقد أتى في ذاك بالمحال ) )
( ( فإنها شهيرة ولم تزل في كل عصر يا شقا أهل الزلل ) )
( ( وكل خارق ) ) للعادة من
nindex.php?page=treesubj&link=28807الخوارق ، وهي ستة أنواع : ( الأول ) المعجزة وتقدم الكلام عليها ، ( الثاني ) الإرهاص وهو كل خارق تقدم النبوة فهو مقدمة لها ، فالمعجزة أمر خارق للعادة مقرون بدعوى النبوة ، والإرهاص مقدمة لها قبلها كقصة أصحاب الفيل ، ( الثالث ) الكرامة وهي أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا هو مقدمة ، يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح ، ملتزم لمتابعة نبي كلف بشريعته مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح ، علم بها ذلك العبد الصالح أم لم يعلم ، ( الرابع ) الاستدراج والمكر ، ( الخامس ) المعونة كما يظهر بسبب بعض عوام المسلمين وضعفاء أهل الدين تخليصا لهم من المحن والمكاره ، ( السادس ) الإهانة والاحتقار كما فعل
مسيلمة الكذاب من مسحه بيده على رأس غلام فانقرع ، ومن تفله في بئر عذبة ليزداد حلاوة فصار ملحا أجاجا ، ومن الخوارق الفاسدة السحر والشعوذة ونحوهما .
والحاصل أن الكرامة لا بد أن تكون أمرا خارقا للعادة ، ( ( أتى ) ) ذلك الخارق ( ( عن ) ) امرئ ( ( صالح ) ) وهو الولي العارف بالله وصفاته حسب ما يمكن ، المواظب على الطاعات المجتنب عن المعاصي ، المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات من ذكر وأنثى ، ولا بد أن يكون صدور ذلك الخارق في زماننا وبعده وقبله منذ بعث نبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم - ( ( من ) ) إنسان ( ( تابع لشرعنا ) ) معشر المسلمين ، لأن سائر الشرائع سواه قد نسخت ، وأن يكون الخارق من قبل من ظهر على يديه غير مقارن لدعوى النبوة ، فما لا يكون مقرونا بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجا وما
[ ص: 393 ] يكون مقرونا بدعوى النبوة يكون معجزة كما تقدم آنفا ، ولاعتبار كون من صدرت عنه الخوارق عارفا مطيعا ظاهر الصلاح ، متابعا لشريعة
محمد - صلى الله عليه وسلم - أشار بقوله ( ( وناصح ) ) لله ولرسوله ولكتابه ولشريعة النبي التي أتى بها عن الله ، وناصح لأئمة المسلمين وخاصتهم وعامتهم ، فإن
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027041الدين النصيحة ، فما يصدر من الخوارق المؤكدة لكذب الكذابين وترهات المفترين من قبيل المكر والاستدراج والمحن والاعوجاج ، وأما إذا صدرت عمن ذكر من الصالح الناصح المتابع لشرعنا القويم وديننا المستقيم ( ( فإنها ) ) تكون ( ( من الكرامات التي بها ) ) أي بجوازها ووقوعها ( ( نقول ) ) معشر أهل السنة من السلف والخلف .
قال
ابن حمدان في نهاية المبتدئين : وكرامة الأولياء حق ، وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد - رضي الله عنه - على من أنكرها وضلله ، وقال : وتوجد في زمن النبوة وأشراط الساعة وغيرهما ، ولا تدل على صدق من ظهرت على يده فيما يخبر به عن الله تعالى ، ولا على ولايته لجواز سلبها وأن تكون استدراجا له يعني أن مجرد الخارق لا يدل على ذلك ، ولذلك قال : ولا يساكنها ولا يقطع هو بكرامته بها ولا يدعيها ، وتظهر بلا طلبه تشريفا له ظاهرا ، ولا يعلم من ظهرت منه هو أو غيره أنه ولي لله تعالى غالبا بذلك ، وقيل : بلى ولا يلزم من صحة الكرامات ووجودها صدق من يدعيها بدون بينة أو قرائن حالية تفيد الجزم بذلك ، وإن مشى هو على الماء وفي الهواء أو سخرت له الجن والسباع ، حتى تنظر خاتمته وموافقته للشرع في الأمر والنهي .
وإن وجد الخارق من نحو جاهل فهو مخرقة ومكر من إبليس وإغواء وإضلال ، ولا شيء على من ظن الخير بمن يراه منه ، وإن كان في الباطن شيطانا وحسن الظن بأهل الدين والصلاح حسن ( ( فاقف ) ) في اعتقادك الصالح ونهجك أي اتبع ( ( للأدلة ) )
[ ص: 394 ] الشرعية والمشاهدات الحسية والقواطع العقلية ، فإن كرامات الأولياء ثابتة بالعيان والبرهان ، أما أولا فإن وجودها جائز عقلا واقع عيانا وشرعا ، فإن حمل
مريم بلا ذكر ، ووجود الرزق عندها بلا سبب من فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف من الخوارق ، وليستا بمعجزتين لعدم شرط المعجزة وهو دعوى النبوة والتحدي فتعين كون ذلك كرامة لها ، وأيضا قصة
آصف بن برخيا ، فإن إحضاره لعرش
بلقيس في لحظة من مسيرة شهر خارق للعادة حتما ، وأيضا قصة
أصحاب الكهف فإن بقاءهم ثلاثمائة سنة بلا آفة من أعظم الخوارق .
وثانيا ما تواتر معناه وإن كانت تفاصيله آحادا من كرامات الصحابة والتابعين ومن بعدهم وإلى وقتنا هذا مما ذاع وشاع ، وملأ الآفاق والأسماع ، وضاقت عن إحصائه الدفاتر ، وشهدت بوجوده الأكابر والأصاغر ، ولا ينكره إلا معاند ومكابر ، فلا جرم فهو الحق الصراح الرادع لأهل الإنكار والكفاح .
وهو مع كونه كرامة لمن ظهرت على يديه غالبا ، فهو دليل على صحة نبوة متبوع من ظهرت على يديه وحقية دينه واستقامة نهجه ، ومن ثم قلنا ( ( ومن ) ) أي أي إنسان كائنا من كان ( ( نفاها ) ) أي كرامات الأولياء ، فلم يقل بجوازها فضلا عن وقوعها ( ( من ذوي ) ) أي أصحاب ( ( الضلال ) ) والزيغ عن نهج أهل السنة والاعتزال ، وكذا من نحا نحوهم من أهل السنة
nindex.php?page=showalam&ids=11812كالأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني ،
وأبي عبد الله الحليمي من
الأشاعرة ، ( ( فقد أتى في ذاك ) ) النفي وعدم التجويز لها ( ( بالمحال ) ) المنابذ للبرهان والعيان وثبوتها في السنن المتواترة ومحكم القرآن ، فمع هذه الأدلة المتواترة والوقائع المتكاثرة ، فالإنكار لها مكابرة غير منظور إليه ولا معول عليه ، وزعمهم أن الخوارق لو جاز ظهورها من الأولياء لالتبس النبي بغيره ، إذ الفرق ما بينهما إنما هو بالمعجزة ، وبأنها لو ظهرت لكثرت لكثرة الأولياء وخرجت عن كونها خارقة للعادة والغرض كونها خارقا ، فإذا خرجت عن كونها لكثرتها نافت المقصود وخالفته ، ولكونها لو ظهرت لا لغرض التصديق لانسد باب إثبات النبوة بالمعجزة ، لجواز أن يكون ما يظهر من النبي لغرض آخر غير التصديق ، وبأن مشاركة الأولياء للأنبياء في ظهور
[ ص: 395 ] الخوارق يخل بعظيم قدر الأنبياء ووقعهم في النفوس ، باطل المأخذ غير صالح للتمسك به والتعويل عليه ، والالتفات له والمصير إليه ، حتى ولو لم تكن الأدلة بكرامة الأولياء طافحة والعيان والبيان والبراهين بها واضحة ، فكيف والأدلة القرآنية والسنن النبوية والآثار السلفية والمشاهدات العيانية أكثر من أن تحصى وأجل وأعظم من أن تستقصى ؟
ولهذا قال معللا لما ارتكبوه في نفيها من المحال : ( ( لأنها ) ) أي كرامات الأولياء كثيرة ( ( شهيرة ) ) للعيان ثابتة بالبرهان ، ( ( ولم تزل ) ) تظهر على يد الأولياء الصالحين وأهل التحقيق العارفين ( ( في كل عصر ) ) من الأعصار الماضية وإلى الآن ، والعصر مثلثة وبضمتين الدهر ويجمع على أعصار وعصور وأعصر وعصر ويطلق على اليوم والليلة والعشي إلى احمرار الشمس ، وذلك كما تقدم من حكاية قصة
مريم وعرش
بلقيس وقصة
أصحاب الكهف والمشي على الماء كما نقل عن كثير من الأولياء من الصحابة وغيرهم ، كما في قصة
nindex.php?page=showalam&ids=386العلاء بن الحضرمي من الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - ، فإنه لما ذهب إلى
البحرين سلكوا مفازة وعطشوا عطشا شديدا حتى خافوا الهلاك ، فنزل فصلى ركعتين ، ثم قال : يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم اسقنا ، فجاءت سحابة فأمطرت حتى ملئوا الآنية وسقوا الركاب ، ثم انطلقوا إلى خليج من البحر ما خيض قبل ذلك اليوم فلم يجدوا سفنا ، فصلى ركعتين ثم قال : يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم أجزنا ، ثم أخذ بعنان فرسه ، ثم قال : جوزوا باسم الله ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : فمشينا على الماء فوالله ما ابتل لنا قدم ولا خف ولا حافر وكان الجيش أربعة آلاف .
والطيران في الهواء كما في قصة
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب ذي الجناحين - رضي الله عنه - ، وقصة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ورؤيته لجيش
سارية وهو على منبر
بالمدينة بنهاوند فنادى وهو على المنبر لأمير الجيش
سارية ، فقال : يا
سارية الجبل . تحذيرا له من العدو ومكرهم له من وراء الجبل ، وسماع
سارية مع بعد المسافة ، وكشرب
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد - رضي الله عنه - السم من غير أن يحصل له تضرر ، وكجريان النيل بكتاب
nindex.php?page=showalam&ids=2أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، وأمثال ذلك من كرامات الصحابة - رضي الله عنهم - مما لا يحصى إلا بكلفة ، وكذلك
[ ص: 396 ] كرامات التابعين لهم ومن بعدهم ما هو طافح ومشهور ، لا يمكن رده وإنكاره في غلبة البيان والظهور .
ولذا قال لمن انتحل المحال ( ( يا شقا أهل الزلل ) ) بما ارتكبوه ، ويا خسارتهم لما انتحلوا من رد المحسوس وتكذيبهم للبرهان بوساوس النفوس ، ومكابرتهم لإنكار العيان بمجرد الوهم والهوس ، وقد قال علماؤنا : إن كرامة الولي وظهور الخارق على يده من ( حيث ) كونه من آحاد الأمة معجزة للرسول الذي ظهرت هذه الكرامة لواحد من أمته ، لأنه يظهر بتلك الكرامة أنه ولي ولن يكون وليا إلا بكونه محقا في ديانته ، وديانته هي الإقرار بالقلب واللسان والانقياد بالجوارح والأركان لما جاء به نبيه المتبوع ورسوله الذي عليه المعول وإلى ما جاء به الرجوع ، والطاعة لأوامره والانتهاء عن زواجره في السر والإعلان ، حتى لو ادعى هذا الذي ظهرت على يده الكرامة الاستقلال بنفسه وعدم المتابعة لم يكن وليا ولم يظهر الخارق على يده ، ولو فرض ظهوره فهو حينئذ من قبيل الاستدراج .
والحاصل أن
nindex.php?page=treesubj&link=28807الأمر الخارق للعادة فهو بالنسبة إلى النبي معجزة سواء ظهر من قبله أو من قبل آحاد أمته ، وهو بالنسبة للولي كرامة لخلوه عن دعوى نبوة من ظهر ذلك من قبله ، فالنبي لا بد من علمه بكونه نبيا ، ومن قصد إظهار خوارق العادات وظهور المعجزات ، وأما الولي فلا يلزم أن يعلم بولايته ويستر كرامته ويسرها ، ويجتهد على إخفاء أمره كما تقدمت الإشارة إلى ذلك كله .
[ ص: 392 ] ( ( فَصْلٌ ) ) فِي ذِكْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=28807كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِثْبَاتِهَا
وَهَذَا مِنَ الْعَقَائِدِ السُّنِّيَّةِ الَّتِي يَجِبُ فِي اعْتِقَادِهَا ، وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهَا وَإِهْمَالُهَا ، وَلِهَذَا قَالَ :
( ( وَكُلُّ خَارِقٍ أَتَى عَنْ صَالِحٍ مِنْ تَابِعٍ لِشَرْعِنَا وَنَاصِحٍ ) )
( ( فَإِنَّهَا مِنَ الْكَرَامَاتِ الَّتِي بِهَا نَقُولُ فَاقْفُ لِلْأَدِلَّةِ ) )
( ( وَمَنْ نَفَاهَا مِنْ ذَوِي الضَّلَالِ فَقَدْ أَتَى فِي ذَاكَ بِالْمُحَالِ ) )
( ( فَإِنَّهَا شَهِيرَةٌ وَلَمْ تَزَلْ فِي كُلِّ عَصْرٍ يَا شَقَا أَهْلِ الزَّلَلْ ) )
( ( وَكُلُّ خَارِقٍ ) ) لِلْعَادَةِ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28807الْخَوَارِقِ ، وَهِيَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ : ( الْأَوَّلُ ) الْمُعْجِزَةُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا ، ( الثَّانِي ) الْإِرْهَاصُ وَهُوَ كُلُّ خَارِقٍ تَقَدَّمَ النُّبُوَّةَ فَهُوَ مُقَدِّمَةٌ لَهَا ، فَالْمُعْجِزَةُ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ مَقْرُونٌ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ ، وَالْإِرْهَاصُ مُقَدِّمَةٌ لَهَا قَبْلَهَا كَقِصَّةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ ، ( الثَّالِثُ ) الْكَرَامَةُ وَهِيَ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ غَيْرُ مَقْرُونٍ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ وَلَا هُوَ مُقَدِّمَةٌ ، يَظْهَرُ عَلَى يَدِ عَبْدٍ ظَاهِرِ الصَّلَاحِ ، مُلْتَزِمٍ لِمُتَابَعَةِ نَبِيٍّ كُلِّفَ بِشَرِيعَتِهِ مَصْحُوبٍ بِصَحِيحِ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ، عَلِمَ بِهَا ذَلِكَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ ، ( الرَّابِعُ ) الِاسْتِدْرَاجُ وَالْمَكْرُ ، ( الْخَامِسُ ) الْمَعُونَةُ كَمَا يَظْهَرُ بِسَبَبِ بَعْضِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ وَضُعَفَاءِ أَهْلِ الدِّينِ تَخْلِيصًا لَهُمْ مِنَ الْمِحَنِ وَالْمَكَارِهِ ، ( السَّادِسُ ) الْإِهَانَةُ وَالِاحْتِقَارُ كَمَا فَعَلَ
مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ مِنْ مَسْحِهِ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِ غُلَامٍ فَانْقَرَعَ ، وَمِنْ تَفْلِهِ فِي بِئْرٍ عَذْبَةٍ لِيَزْدَادَ حَلَاوَةً فَصَارَ مِلْحًا أُجَاجًا ، وَمِنَ الْخَوَارِقِ الْفَاسِدَةِ السِّحْرُ وَالشَّعْوَذَةُ وَنَحْوُهُمَا .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَرَامَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ أَمْرًا خَارِقًا لِلْعَادَةِ ، ( ( أَتَى ) ) ذَلِكَ الْخَارِقُ ( ( عَنْ ) ) امْرِئٍ ( ( صَالِحٍ ) ) وَهُوَ الْوَلِيُّ الْعَارِفُ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ حَسْبَ مَا يُمْكِنُ ، الْمُوَاظِبُ عَلَى الطَّاعَاتِ الْمُجْتَنِبُ عَنِ الْمَعَاصِي ، الْمُعْرِضُ عَنْ الِانْهِمَاكِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صُدُورُ ذَلِكَ الْخَارِقِ فِي زَمَانِنَا وَبَعْدَهُ وَقَبْلَهُ مُنْذُ بُعِثَ نَبِيُّنَا
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( ( مِنْ ) ) إِنْسَانٍ ( ( تَابِعٍ لِشَرْعِنَا ) ) مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، لِأَنَّ سَائِرَ الشَّرَائِعِ سِوَاهُ قَدْ نُسِخَتْ ، وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِقُ مِنْ قِبَلِ مَنْ ظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِ غَيْرِ مُقَارِنٍ لِدَعْوَى النُّبُوَّةِ ، فَمَا لَا يَكُونُ مَقْرُونًا بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ يَكُونُ اسْتِدْرَاجًا وَمَا
[ ص: 393 ] يَكُونُ مَقْرُونًا بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ يَكُونُ مُعْجِزَةً كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا ، وَلِاعْتِبَارِ كَوْنِ مَنْ صَدَرَتْ عَنْهُ الْخَوَارِقُ عَارِفًا مُطِيعًا ظَاهِرَ الصَّلَاحِ ، مُتَابِعًا لِشَرِيعَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( ( وَنَاصِحٍ ) ) لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِشَرِيعَةِ النَّبِيِّ الَّتِي أَتَى بِهَا عَنِ اللَّهِ ، وَنَاصِحٍ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَخَاصَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027041الدِّينَ النَّصِيحَةُ ، فَمَا يَصْدُرُ مِنَ الْخَوَارِقِ الْمُؤَكِّدَةِ لِكَذِبِ الْكَذَّابِينَ وَتُرَّهَاتِ الْمُفْتَرِينَ مِنْ قَبِيلِ الْمَكْرِ وَالِاسْتِدْرَاجِ وَالْمِحَنِ وَالِاعْوِجَاجِ ، وَأَمَّا إِذَا صَدَرَتْ عَمَّنْ ذَكَرَ مِنَ الصَّالِحِ النَّاصِحِ الْمُتَابِعِ لِشَرْعِنَا الْقَوِيمِ وَدِينِنَا الْمُسْتَقِيمِ ( ( فَإِنَّهَا ) ) تَكُونُ ( ( مِنَ الْكَرَامَاتِ الَّتِي بِهَا ) ) أَيْ بِجَوَازِهَا وَوُقُوعِهَا ( ( نَقُولُ ) ) مَعْشَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
قَالَ
ابْنُ حَمْدَانَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ : وَكَرَامَةُ الْأَوْلِيَاءِ حَقٌّ ، وَأَنْكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَنْ أَنْكَرَهَا وَضَلَّلَهُ ، وَقَالَ : وَتُوجَدُ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مَنْ ظَهَرَتْ عَلَى يَدِهِ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا عَلَى وِلَايَتِهِ لِجَوَازِ سَلْبِهَا وَأَنْ تَكُونَ اسْتِدْرَاجًا لَهُ يَعْنِي أَنَّ مُجَرَّدَ الْخَارِقِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : وَلَا يُسَاكِنُهَا وَلَا يَقْطَعُ هُوَ بِكَرَامَتِهِ بِهَا وَلَا يَدَّعِيهَا ، وَتَظْهَرُ بِلَا طَلَبِهِ تَشْرِيفًا لَهُ ظَاهِرًا ، وَلَا يَعْلَمُ مَنْ ظَهَرَتْ مِنْهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى غَالِبًا بِذَلِكَ ، وَقِيلَ : بَلَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْكَرَامَاتِ وَوُجُودِهَا صِدْقُ مَنْ يَدَّعِيهَا بِدُونِ بَيِّنَةٍ أَوْ قَرَائِنَ حَالِيَّةٍ تُفِيدُ الْجَزْمَ بِذَلِكَ ، وَإِنْ مَشَى هُوَ عَلَى الْمَاءِ وَفِي الْهَوَاءِ أَوْ سُخِّرَتْ لَهُ الْجِنُّ وَالسِّبَاعُ ، حَتَّى تَنْظُرَ خَاتِمَتَهُ وَمُوَافَقَتَهُ لِلشَّرْعِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ .
وَإِنْ وُجِدَ الْخَارِقُ مِنْ نَحْوِ جَاهِلٍ فَهُوَ مَخْرَقَةٌ وَمَكْرٌ مِنْ إِبْلِيسَ وَإِغْوَاءٌ وَإِضْلَالٌ ، وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ ظَنَّ الْخَيْرَ بِمَنْ يَرَاهُ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ شَيْطَانًا وَحُسْنُ الظَّنِّ بِأَهْلِ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ حَسَنٌ ( ( فَاقْفُ ) ) فِي اعْتِقَادِكَ الصَّالِحِ وَنَهْجِكَ أَيِ اتَّبِعْ ( ( لِلْأَدِلَّةِ ) )
[ ص: 394 ] الشَّرْعِيَّةِ وَالْمُشَاهَدَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالْقَوَاطِعِ الْعَقْلِيَّةِ ، فَإِنَّ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ثَابِتَةٌ بِالْعِيَانِ وَالْبُرْهَانِ ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ وُجُودَهَا جَائِزٌ عَقْلًا وَاقِعٌ عِيَانًا وَشَرْعًا ، فَإِنَّ حَمْلَ
مَرْيَمَ بِلَا ذَكَرٍ ، وَوُجُودَ الرِّزْقِ عِنْدَهَا بِلَا سَبَبٍ مِنْ فَاكِهَةِ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَفَاكِهَةِ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ مِنَ الْخَوَارِقِ ، وَلَيْسَتَا بِمُعْجِزَتَيْنِ لِعَدَمِ شَرْطِ الْمُعْجِزَةِ وَهُوَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ وَالتَّحَدِّي فَتَعَيَّنَ كَوْنُ ذَلِكَ كَرَامَةً لَهَا ، وَأَيْضًا قِصَّةُ
آصِفَ بْنَ بَرْخِيَا ، فَإِنَّ إِحْضَارَهُ لِعَرْشِ
بِلْقِيسَ فِي لَحْظَةٍ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ حَتْمًا ، وَأَيْضًا قِصَّةُ
أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَإِنَّ بَقَاءَهُمْ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ بِلَا آفَةٍ مِنْ أَعْظَمِ الْخَوَارِقِ .
وَثَانِيًا مَا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَتْ تَفَاصِيلُهُ آحَادًا مِنْ كَرَامَاتِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَإِلَى وَقْتِنَا هَذَا مِمَّا ذَاعَ وَشَاعَ ، وَمَلَأَ الْآفَاقَ وَالْأَسْمَاعَ ، وَضَاقَتْ عَنْ إِحْصَائِهِ الدَّفَاتِرُ ، وَشَهِدَتْ بِوُجُودِهِ الْأَكَابِرُ وَالْأَصَاغِرُ ، وَلَا يُنْكِرُهُ إِلَّا مُعَانِدٌ وَمُكَابِرٌ ، فَلَا جَرَمَ فَهُوَ الْحَقُّ الصُّرَاحُ الرَّادِعُ لِأَهْلِ الْإِنْكَارِ وَالْكِفَاحِ .
وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ كَرَامَةً لِمَنْ ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ غَالِبًا ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ مَتْبُوعِ مَنْ ظَهَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ وَحَقِّيَّةِ دِينِهِ وَاسْتِقَامَةِ نَهْجِهِ ، وَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا ( ( وَمَنْ ) ) أَيْ أَيُّ إِنْسَانٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ ( ( نَفَاهَا ) ) أَيْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ، فَلَمْ يَقُلْ بِجَوَازِهَا فَضْلًا عَنْ وُقُوعِهَا ( ( مِنْ ذَوِي ) ) أَيْ أَصْحَابِ ( ( الضَّلَالِ ) ) وَالزَّيْغِ عَنْ نَهْجِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالِاعْتِزَالِ ، وَكَذَا مَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ
nindex.php?page=showalam&ids=11812كَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِنِيِّ ،
وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ مِنَ
الْأَشَاعِرَةِ ، ( ( فَقَدْ أَتَى فِي ذَاكَ ) ) النَّفْيِ وَعَدَمِ التَّجْوِيزِ لَهَا ( ( بِالْمُحَالِ ) ) الْمُنَابِذِ لِلْبُرْهَانِ وَالْعِيَانِ وَثُبُوتِهَا فِي السُّنَنِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَمُحْكَمِ الْقُرْآنِ ، فَمَعَ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْوَقَائِعِ الْمُتَكَاثِرَةِ ، فَالْإِنْكَارُ لَهَا مُكَابَرَةٌ غَيْرُ مَنْظُورٍ إِلَيْهِ وَلَا مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ ، وَزَعْمُهُمْ أَنَّ الْخَوَارِقَ لَوْ جَازَ ظُهُورُهَا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ لَالْتَبَسَ النَّبِيُّ بِغَيْرِهِ ، إِذِ الْفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا إِنَّمَا هُوَ بِالْمُعْجِزَةِ ، وَبِأَنَّهَا لَوْ ظَهَرَتْ لَكَثُرَتْ لِكَثْرَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَخَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا خَارِقَةً لِلْعَادَةِ وَالْغَرَضُ كَوْنُهَا خَارِقًا ، فَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا لِكَثْرَتِهَا نَافَتِ الْمَقْصُودَ وَخَالَفَتْهُ ، وَلِكَوْنِهَا لَوْ ظَهَرَتْ لَا لِغَرَضِ التَّصْدِيقِ لَانْسَدَّ بَابُ إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ بِالْمُعْجِزَةِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا يَظْهَرُ مِنَ النَّبِيِّ لِغَرَضٍ آخَرَ غَيْرِ التَّصْدِيقِ ، وَبِأَنَّ مُشَارَكَةَ الْأَوْلِيَاءِ لِلْأَنْبِيَاءِ فِي ظُهُورِ
[ ص: 395 ] الْخَوَارِقِ يُخِلُّ بِعَظِيمِ قَدْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَوَقْعِهِمْ فِي النُّفُوسِ ، بَاطِلُ الْمَأْخَذِ غَيْرُ صَالِحٍ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ وَالتَّعْوِيلِ عَلَيْهِ ، وَالِالْتِفَاتِ لَهُ وَالْمَصِيرِ إِلَيْهِ ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْأَدِلَّةُ بِكَرَامَةِ الْأَوْلِيَاءِ طَافِحَةً وَالْعِيَانُ وَالْبَيَانُ وَالْبَرَاهِينُ بِهَا وَاضِحَةً ، فَكَيْفَ وَالْأَدِلَّةُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالسُّنَنُ النَّبَوِيَّةُ وَالْآثَارُ السَّلَفِيَّةُ وَالْمُشَاهَدَاتُ الْعِيَانِيَّةُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى ؟
وَلِهَذَا قَالَ مُعَلِّلًا لِمَا ارْتَكَبُوهُ فِي نَفْيِهَا مِنَ الْمُحَالِ : ( ( لِأَنَّهَا ) ) أَيْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ كَثِيرَةٌ ( ( شَهِيرَةٌ ) ) لِلْعِيَانِ ثَابِتَةٌ بِالْبُرْهَانِ ، ( ( وَلَمْ تَزَلْ ) ) تَظْهَرُ عَلَى يَدِ الْأَوْلِيَاءِ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ التَّحْقِيقِ الْعَارِفِينَ ( ( فِي كُلِّ عَصْرٍ ) ) مَنِ الْأَعْصَارِ الْمَاضِيَةِ وَإِلَى الْآنِ ، وَالْعَصْرُ مُثَلَّثَةٌ وَبِضَمَّتَيْنِ الدَّهْرُ وَيُجْمَعُ عَلَى أَعْصَارٍ وَعُصُورٍ وَأَعْصُرٍ وَعُصُرٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَالْعَشِيِّ إِلَى احْمِرَارِ الشَّمْسِ ، وَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حِكَايَةِ قِصَّةِ
مَرْيَمَ وَعَرْشِ
بِلْقِيسَ وَقِصَّةِ
أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ كَمَا نُقِلَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ، كَمَا فِي قِصَّةِ
nindex.php?page=showalam&ids=386الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ إِلَى
الْبَحْرَيْنِ سَلَكُوا مَفَازَةً وَعَطِشُوا عَطَشًا شَدِيدًا حَتَّى خَافُوا الْهَلَاكَ ، فَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا حَلِيمُ يَا عَلِيمُ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ اسْقِنَا ، فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَأَمْطَرَتْ حَتَّى مَلَئُوا الْآنِيَةَ وَسَقَوُا الرِّكَابَ ، ثُمَّ انْطَلَقُوا إِلَى خَلِيجٍ مِنَ الْبَحْرِ مَا خِيضَ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَمْ يَجِدُوا سُفُنًا ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : يَا حَلِيمُ يَا عَلِيمُ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ أَجِزْنَا ، ثُمَّ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ ، ثُمَّ قَالَ : جُوزُوا بِاسْمِ اللَّهِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ : فَمَشَيْنَا عَلَى الْمَاءِ فَوَاللَّهِ مَا ابْتَلَّ لَنَا قَدَمٌ وَلَا خُفٌّ وَلَا حَافِرٌ وَكَانَ الْجَيْشُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ .
وَالطَّيَرَانُ فِي الْهَوَاءِ كَمَا فِي قِصَّةِ
nindex.php?page=showalam&ids=315جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ذِي الْجَنَاحَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَقِصَّةِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرُؤْيَتِهِ لِجَيْشِ
سَارِيَةَ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرٍ
بِالْمَدِينَةِ بِنَهَاوَنْدَ فَنَادَى وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ
سَارِيَةَ ، فَقَالَ : يَا
سَارِيَةُ الْجَبَلَ . تَحْذِيرًا لَهُ مِنَ الْعَدُوِّ وَمَكْرِهِمْ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ ، وَسَمَاعِ
سَارِيَةَ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ ، وَكَشُرْبِ
nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - السُّمَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ تَضَرُّرٌ ، وَكَجَرَيَانِ النِّيلِ بِكِتَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=2أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِمَّا لَا يُحْصَى إِلَّا بِكُلْفَةِ ، وَكَذَلِكَ
[ ص: 396 ] كَرَامَاتُ التَّابِعِينَ لَهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَا هُوَ طَافِحٌ وَمَشْهُورٌ ، لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ وَإِنْكَارُهُ فِي غَلَبَةِ الْبَيَانِ وَالظُّهُورِ .
وَلِذَا قَالَ لِمَنِ انْتَحَلَ الْمُحَالَ ( ( يَا شَقَا أَهْلِ الزَّلَلِ ) ) بِمَا ارْتَكَبُوهُ ، وَيَا خَسَارَتَهُمْ لِمَا انْتَحَلُوا مِنْ رَدِّ الْمَحْسُوسِ وَتَكْذِيبِهِمْ لِلْبُرْهَانِ بِوَسَاوِسِ النُّفُوسِ ، وَمُكَابَرَتِهِمْ لِإِنْكَارِ الْعِيَانِ بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ وَالْهَوَسِ ، وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِنَّ كَرَامَةَ الْوَلِيِّ وَظُهُورَ الْخَارِقِ عَلَى يَدِهِ مِنْ ( حَيْثُ ) كَوْنُهُ مِنْ آحَادِ الْأُمَّةِ مُعْجِزَةً لِلرَّسُولِ الَّذِي ظَهَرَتْ هَذِهِ الْكَرَامَةُ لِوَاحِدٍ مِنْ أُمَّتِهِ ، لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِتِلْكَ الْكَرَامَةِ أَنَّهُ وَلِيٌّ وَلَنْ يَكُونَ وَلِيًّا إِلَّا بِكَوْنِهِ مُحِقًّا فِي دِيَانَتِهِ ، وَدِيَانَتُهُ هِيَ الْإِقْرَارُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالِانْقِيَادُ بِالْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ لِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُ الْمَتْبُوعُ وَرَسُولُهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ وَإِلَى مَا جَاءَ بِهِ الرُّجُوعُ ، وَالطَّاعَةُ لِأَوَامِرِهِ وَالِانْتِهَاءُ عَنْ زَوَاجِرِهِ فِي السِّرِّ وَالْإِعْلَانِ ، حَتَّى لَوِ ادَّعَى هَذَا الَّذِي ظَهَرَتْ عَلَى يَدِهِ الْكَرَامَةُ الِاسْتِقْلَالَ بِنَفْسِهِ وَعَدَمَ الْمُتَابَعَةِ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا وَلَمْ يَظْهَرِ الْخَارِقُ عَلَى يَدِهِ ، وَلَوْ فُرِضَ ظُهُورُهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِدْرَاجِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28807الْأَمْرَ الْخَارِقَ لِلْعَادَةِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ مُعْجِزَةٌ سَوَاءٌ ظَهَرَ مِنْ قِبَلِهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ آحَادِ أُمَّتِهِ ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَلِيِّ كَرَامَةٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ دَعْوَى نُبُوَّةِ مَنْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهِ ، فَالنَّبِيُّ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ نَبِيًّا ، وَمِنْ قَصْدِ إِظْهَارِ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَظُهُورِ الْمُعْجِزَاتِ ، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَعْلَمَ بِوِلَايَتِهِ وَيَسْتُرَ كَرَامَتَهُ وَيُسِرَّهَا ، وَيَجْتَهِدَ عَلَى إِخْفَاءِ أَمْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ .