الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه: أنه صالح أهل الحديبية أن لا يدخلوا مكة إلا بجلبان السلاح.  

أخبرناه ابن الأعرابي، نا أبو داود، نا أحمد بن حنبل، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: فسألته ما جلبان السلاح؟ فقال: القراب بما فيه. الجلبان: شيء شبيه بالجراب من الأدم يضع فيه الراكب سيفه بقرابه، ويضع فيه سوطه يعلقه الراكب من واسطة رحله، أو من آخره، وإنما اشترطوا دخوله مكة والسيوف في قربها؛ ليكون ذلك علما للسلم، إذ كان دخوله مكة صلحا، ولو دخلوها متقلدين لها لم تؤمن السلة كقول الشاعر:


إن تسألوا الحق نعط الحق سائله والدرع محقبة والسيف مقروب

والعرب لا تضع السلاح إلا في الأمن. قال مرة بن محكان:


يا ربة البيت قومي غير صاغرة     ضمي إليك رحال القوم والقربا

يريد خذي سيوفهم وأعلميهم أنهم في دار عز وأمان.

[ ص: 579 ] فأما خبر فتح مكة، ورواية من روى أن رسول الله دخلها عنوة، فإن العنوة في كلام العرب لها معنيان متضادان. قال أبو العباس ثعلب: يقال: أخذت الشيء عنوة أي قهرا في عنف، وأخذته عنوة أي صلحا في رفق. قال وأنشدنا ابن الأعرابي عن المفضل:


فما أخذوها عنوة، عن مودة     ولكن حد المشرفي استقالها

فهذه الرواية تحتمل التأويل. ومن روى أنه دخلها صلحا لم يحتمل قوله التأويل، فأصح الوجهين أولاهما.

التالي السابق


الخدمات العلمية