الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه أن عليا قال: أصبت شارفا من مغنم بدر، وأعطاني رسول الله شارفا فأنختهما بباب رجل من الأنصار، وحمزة في البيت ومعه قينة تغنيه:


ألا يا حمز ذا الشرف النواء



فخرج إليهما فجب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وأخذ أكبادهما، فنظرت إلى منظر أقطعني، فانطلقت إلى رسول الله فخرج ومعه زيد بن حارثة حتى وقف عليه، فتغيظ عليه فرفع رأسه إليه، وقال: هل أنتم إلا عبيد آبائي قال: فرجع رسول الله يقهقر.


حدثناه ابن السماك، نا أبو قلابة الرقاشي، نا أبو عاصم، نا ابن جريج، أخبرني ابن شهاب، عن علي بن حسين بن علي، عن أبيه، عن علي. وفي رواية أخرى فغنته الكرينة.

[ ص: 652 ] كان ابن السماك يرويه ذا الشرف النوى: بفتح الشين والراء في الشرف، وفتح النون في النوى، وقصره على وزن اللوى، وهكذا يرويه أكثر المحدثين.

وأخبرني أبو بكر القفال، عن محمد بن جرير الطبري أنه رواه أيضا كذلك وفسره، فقال: النوى البعد، والنوى جمع النواة.

قال أبو سليمان : والرواية والتفسير معا غلط، وإنما هو النواء مكسورة النون ممدودة الألف على وزن الرواء، وأنشدنيه أبو عمر:


ألا يا حمز ذا الشرف النواء     وهن معقلات بالفناء

القصيدة إلى آخرها.

والشرف: جمع الشارف، وهي المسنة من النوق، ومنه حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه قال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، أناخ بكم الشرف الجون"، قالوا: يا رسول الله، وما الشرف الجون؟ قال: "فتن كقطع الليل المظلم".

قال ابن الأنباري: الشرف هاهنا فتن تتصل أوقاتها وتطول أزمانها حتى تصير كالشرف من الإبل، وهي النوق المسان، والنواء: السمان. والني: السمن. قال الأصمعي: يقال نوت الناقة تنوي فهي ناوية، وهن نواء. وقال يعقوب: نوت نواية ونواية.

قال الراجز:


لطال ما جررتكن جرا     حتى نوى الأعجف واستمرا [ ص: 653 ]



وقوله: يقهقر. قال أبو عمرو القهقرى: الإحضار فيكون على هذا أنه أسرع في الانصراف. وقال الأخفش: يقال رجع القهقرى إذا رجع وراءه ووجهه إليك. والكرينة: المغنية. وقد احتج بعض أهل العلم بهذا الحديث في إبطال أحكام السكران،  وقالوا: لو لزم السكران ما يكون منه في حال سكره كما يلزمه في حال صحوه لكان المخاطب رسول الله بما استقبله به حمزة كافرا مباح الدم.

قال أبو سليمان : وقد ذهب على هذا القائل أن ذلك منه إنما كان قبل تحريم الخمر، وفي زمان كان شربها مباحا، وإنما حرمت الخمر بعد غزوة أحد.  قال جابر: اصطبح ناس الخمر يوم أحد، ثم قتلوا آخر النهار شهداء. فأما وقد حرمت فشربها معصية، وما تولد منها لازم، ورخص الله لا تلحق العاصين.

التالي السابق


الخدمات العلمية