الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث علقمة: "أنه قال للأسود: يا أبا عمرو، قال: لبيك، قال: لبى يديك".

يرويه أحمد بن حنبل، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم.

قوله: لبى يديك،  معناه: سلمت يداك وصحتا، وأصله من لب الرجل بالمكان، وألب به إذا لزمه وأقام به.

أخبرني ابن مالك، أنا محمد بن إبراهيم بن سعيد العبدي قال: سمعت ابن عائشة يقول: دعا أعرابي غلاما له، فأبطأ في الإجابة، ثم قال: لبيك، فقال: لب عمود جنبيك.

وكان الأصل في لبى: لبب، فأبدلوا من إحدى الباءات ياء؛ طلبا للخفة، كما قالوا: تقضى الطائر من تقضض، وتظنى الرجل من تظنن.

قال العجاج:


تقضي البازي إذا البازي انكسر



[ ص: 13 ] وقال النابغة:


فليس يرد مذهبها التظني



وأراه إنما ترك الإعراب في قوله: لبى يديك، وكان حقه أن يقول: يداك؛ لتأتلف الكلمتان وتزدوجا، والعرب قد تفعل ذلك؛ تتوخى به ازدواج الكلام، كقولهم: إنه ليأتينا بالغدايا والعشايا، وإنما تجمع الغداة على الغدوات، فسلكوا بها مسلك العشية؛ لتزدوج الكلمتان.

وقالوا: حياك الله وبياك، وإنما هو بواك، فحولوها عن الواو إلى الياء، ومثل هذا في كلامهم كثير.

فأما الحديث الذي يروى: "أن رجلا خاصم أباه عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأمر به فلب له".

أخبرناه محمد بن هاشم، نا الدبري، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: سمعت ابن أبي حسين يقول: خاصم رجل أباه فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أنت ومالك لأبيك،  ثم أمر به فلب له".

فليس هذا من الأول في شيء، ومعناه أنه علق وجر له من الأخذ بموضع اللبة.

[ ص: 14 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية