( فصل ) :
هذا الذي ذكرنا قسمة الأعيان .
( وأما ) قسمة المنافع فهي المسماة بالمهايئات ، والكلام فيها في مواضع في بيان أنواع المهايئات وما يجوز منها وما لا يجوز ، وفي بيان محل المهايئات وفي بيان صفة المهايئات وفي بيان ما يملك كل واحد من الشريكين من التصرف بعد المهايئات وما لا يملك .
( أما ) الأول فالمهايئات نوعان : ونوع يرجع إلى الزمان . نوع يرجع إلى المكان
( أما ) النوع الأول فهو أن يتهايآ في دار واحدة على أن يأخذ كل واحد منهما طائفة منها يسكنها وأنه جائز ; لأن المهايئات قسمة فتعتبر بقسمة العين ، وقسمة العين على هذا الوجه جائزة فكذا قسمة المنافع ، وكذا لو تهايئا على أن يأخذ أحدهما السفل والآخر العلو جاز ذلك ; لما قلنا ، ولا يشترط بيان المدة في هذا النوع ; لأن قسمة المنافع ليست بمبادلة المنفعة ; لأن مبادلة المنفعة بجنسها غير جائزة عندنا ، كإجازة السكنى بالسكنى والخدمة بالخدمة ، وكذلك لو تهايئا في دارين وأخذ كل واحد منهما دارا يسكنها أو يستغلها فهو جائز بالإجماع
( أما ) عند أبي يوسف فلا شك فيه ; لأن قسمة الجمع في عين الدور جائزة ، فكذا في المنافع . ومحمد
( وأما ) - رحمه الله - فيحتاج إلى الفرق بين العين وبين المنفعة . أبو حنيفة
( وجه ) الفرق له أن الدور في حكم أجناس مختلفة ; لتفاحش التفاوت بين دار ودار في نفسها وبنائها وموضعها ، ولا تجوز قسمة الجمع في جنسين مختلفين على ما مر .
( وأما ) التفاوت في المنافع فقل ما يتفاحش بل يتقارب ، فلم تلتحق منافع الدارين بالأجناس المختلفة فجازت القسمة ، وكذلك لو تهايئا في عبدين على الخدمة جاز بالإجماع .
( أما ) عندهما ; فلأن قسمة الجمع في أعيان الرقيق جائزة ، وكذا في منافعها .
( ووجه ) الفرق - رحمه الله - على نحو ما ذكرنا في الدارين ولو تهايئا في عبدين فأخذ كل واحد منهما عبدا يخدمه وشرط كل واحد منهما على نفسه طعام العبد الذي يخدمه ; جاز استحسانا ، والقياس أن لا يجوز . لأبي حنيفة
( ووجهه ) أن طعام كل واحد من العبدين على الشريكين جميعا على المناصفة ، فاشتراط كل الطعام من كل واحد منهما على نفسه يخرج مخرج معاوضة بعض الطعام بالبعض ، وإنها غير جائزة للجهالة .
( ووجه ) الاستحسان أن هذا النوع من الجهالة لا يفضي إلى المنازعة ; لأن مبنى الطعام على المسامحة في العرف والعادة دون المضايقة ، بخلاف ما إذا شرط كل واحد منهما على نفسه كسوة [ ص: 32 ] العبد الذي يخدمه أنه لا يجوز ; لأنه يجري في الكسوة من المضايقة ما لا يجري في الطعام في العرف والعادة ، فكانت الجهالة في الكسوة مفضية إلى المنازعة ، مع ما إن الجهالة في الكسوة تتفاحش بخلاف الطعام ; لذلك افترقا ، والله - تعالى - أعلم .
( وأما ) بأن أخذ أحدهما دابة ليركبها والآخر دابة أخرى من جنسها يستغلها ، وشرط الاستغلال فغير جائز عند التهايؤ في الدواب ، وعندهما جائز . أبي حنيفة
( وجه ) قولهما ظاهر ; لأن قسمة الجمع في أعيان الدواب من جنس واحد جائزة ، فكذا قسمة المنافع ، الفرق بين المنفعة وبين المنفعة أنه جوز قسمة الجمع في أعيانها ولم يجوز في منافعها . ولأبي حنيفة
( ووجه ) الفرق أنها باعتبار أعيانها جنس واحد لكنها في منفعة الركوب في حكم جنسين مختلفين ، بدليل أن من استأجر دابة ليركبها لم يملك أن يؤاجرها للركوب ، ولو فعل لضمن ، فأشبه اختلاف جنس المنفعة اختلاف جنس العين ، واختلاف جنس العين عنده مانع جواز قسمة الجمع ، كذا في المنفعة ، بخلاف المهايئات في الدارين والعبدين أنها جائزة ; لأن هناك المنافع متقاربة غير متفاحشة ، بدليل أن المستأجر فيها يملك الإجارة من غيره فلم يختلف جنس المنفعة فجازت المهايئات .