الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( وأما ) .

                                                                                                                                الرجوع الثابت من طريق الضرورة فنوعان : أحدهما أن يتصل بالعين الموصى به زيادة لا يمكن تسليم العين بدونها ، كما إذا أوصى بسويق ثم لته بالسمن ; لأن الموصى به اتصل بما ليس بموصى به بحيث لا يمكن تسليمه بدونه لتعذر التمييز بينهما ، فثبت الرجوع ضرورة .

                                                                                                                                وكذا إذا وصى بدار ثم بنى فيها أو أوصى بقطن ثم حشاه جبة فيه أو أوصى ببطانة ، ثم بطن بها أو بظهارة ، ثم ظهر بها ; لأنه لا يمكن تسليم الموصى به إلا بتسليم ما اتصل به ، ولا يمكن تسليمه إلا بالنقض ، ولا سبيل إلى التكليف بالنقض ; لأنه تصرف في ملك نفسه ، فجعل رجوعا من طريق الضرورة ، ويمكن إثبات الرجوع في هذه المسائل من طريق الدلالة أيضا ; لأن اتصال الموصى به بغيره حصل بصنع الموصي ، فكان تعدد التسليم مضافا إلى فعله ، وكان رجوعا منه دلالة .

                                                                                                                                والثاني : أن يتغير الموصى به بحيث يزول معناه ، واسمه سواء كان التغيير إلى الزيادة أو إلى النقصان ، كما إذا أوصى لإنسان بثمر هذا النخل ثم لم يمت الموصي حتى صار بسرا أو أوصى له بهذا البسر ثم صار رطبا أو أوصى بهذا العنب ، فصار زبيبا ، أو بهذا السنبل ، فصار حنطة ، أو بهذا القصيل ، فصار شعيرا أو بالحنطة المبذورة في [ ص: 385 ] الأرض ، فنبتت وصارت بقلا أو بالبيضة ، فصارت فرخا أو نحو ذلك ثم مات الموصي بطلت الوصية فيما أوصى به ، فيثبت الرجوع ضرورة هذا إذا تغير الموصى به قبل موت الموصي ; لأنه صار شيئا آخر لزوال معناه ، واسمه ، فتعذر تنفيذ الوصية فيما أوصى به .

                                                                                                                                وأما إذا تغير بعد موته ، فحكمه يذكر في بيان ما تبطل به - إن شاء الله - تعالى ، ولو أوصى برطب هذا النخل ، فصار بسرا فالقياس أن تبطل الوصية لتغير الموصى به ، وهو الرطب من الرطوبة إلى اليبوسة .

                                                                                                                                وزوال اسمه ، وفي الاستحسان لا تبطل ; لأن معنى الذات لم يتغير من كل وجه بل بقي من وجه .

                                                                                                                                ألا يرى أن غاصبا لو غصب رطب إنسان ، فصار تمرا في يده لا ينقطع حق المالك بل يكون له الخيار إن شاء أخذه تمرا ، وإن شاء ضمنه رطبا مثل رطبه .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية