الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر إيقاع الحكم بأهل قرطبة

كان الحكم في صدر ولايته تظاهر بشرب الخمر والانهماك في اللذات ، وكانت قرطبة دار علم ، وبها فضلاء في العلم والورع ، منهم : يحيى بن يحيى الليثي ، راوي موطأ مالك عنه ، وغيره ، فثار أهل قرطبة ، وأنكروا فعله ، ورجموه بالحجارة ، وأرادوا قتله ، فامتنع منهم بمن حضر من الجند ، وسكن الحال .

ثم بعد أيام اجتمع وجوه أهل قرطبة وفقهاؤها ، وحضروا عند محمد بن القاسم القرشي المرواني ، عم هشام بن حمزة ، وأخذوا له البيعة على أهل البلد ، وعرفوه أن الناس قد ارتضوه كافة ، فاستنظر ليلة ليرى رأيه ، ويستخير الله - سبحانه وتعالى - فانصرفوا ، فحضر عند الحكم ، وأطلعه على الحال ، وأعلمه أنه على بيعته ، فطلب الحكم تصحيح الحال عنده ، فأخذ معه بعض ثقات الحكم ، وأجلسه في قبة في داره ، وأخفى أمره ، وحضر عنده القوم يستعلمون منه هل تقلد أمرهم أم لا ، فأراهم المخافة على نفسه ، وعظم الخطب عليهم ، وسألهم تعداد أسمائهم ومن معهم ، فذكروا له جميع من معهم من أعيان البلد ، وصاحب الحكم يكتب أسماءهم ، فقال لهم محمد بن القاسم : يكون هذا الأمر يوم الجمعة ، إن شاء الله ، في المسجد الجامع .

ومشى إلى الحكم مع صاحبه ، فأعلماه جلية الحال ، وكان ذلك يوم الخميس ، فما أتى عليه الليل حتى حبس الجماعة المذكورين عن آخرهم ، ثم أمر بهم بعد أيام ، فصلبوا عند قصره ، وكانوا اثنين وسبعين رجلا ، منهم : أخو يحيى بن يحيى ، وابن أبي كعب ، وكان يومهم يوما شنيعا ، فتمكنت عداوة الناس للحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية