ذكر أبي يوسف البريدي قتل
في هذه السنة قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف .
وكان سبب قتله أن أبا عبد الله البريدي كان قد نفذ ما عنده من المال في محاربة بني حمدان ومقامهم بواسط ، وفي محاربة توزون ، فلما رأى جنده قلة ماله ، مالوا إلى أخيه أبي يوسف ; لكثرة ماله ، فاستقرض أبو عبد الله من أخيه أبي يوسف مرة بعد مرة ، وكان يعطيه القليل من المال ، ويعيبه ويذكر تضييعه وسوء تدبيره وجنونه وتهوره ، فصح ذلك عند أبي عبد الله ، ثم صح عنده أنه يريد القبض عليه أيضا ، والاستبداد بالأمر وحده ، فاستوحش كل واحد منهما من صاحبه . ثم إن أبا عبد الله أنفذ إلى أخيه جوهرا نفيسا كان بجكم قد وهبه لبنته لما تزوجها البريدي ، وكان قد أخذه من دار الخلافة ، فأخذه أبو عبد الله منها حين تزوجها ، فلما جاءه الرسول وأبلغه ذلك وعرض عليه ( الجوهر ، أحضر ) الجوهريين ليثمنوه ، فلما أخذوا في وصفه ، أنكر عليهم ذلك ، وحرد ونزل في ثمنه إلى خمسين ألف درهم ، وأخذ في الوقيعة في أخيه أبي عبد الله ، وذكر معايبه وما وصل إليه من المال ، وأنفذ مع الرسول خمسين ألف درهم ، فلما عاد الرسول إلى أبي عبد الله ، أبلغه ذلك فدمعت عيناه ، وقال : ألا قلت له : جنوني وقلة تحصيلي أقعدك هذا المقعد وصيرك كقارون ، ثم عدد ما عمله معه من الإحسان .
[ ص: 127 ] فلما كان بعد أيام ، أقام غلمانه في طريق ( مسقف ) بين داره والشط ، وأقبل أخوه أبو يوسف من الشط ، فدخل في ذلك الطريق ، فثاروا به فقتلوه وهو يصيح : يا أخي ، يا أخي ، قتلوني . وأخوه يسمعه ، ويقول : إلى لعنة الله ! فخرج أخوهما أبو الحسين من داره ، وكان بجنب دار أخيه أبي عبد الله ، وهو يستغيث : يا أخي ، قتلته ! فسبه وهدده ، فسكت ، فلما قتل دفنه ، وبلغ ذلك الخبر الجند ، فثاروا وشغبوا ظنا منهم أنه حي ، فأمر به فنبش وألقاه على الطريق ، فلما رأوه سكتوا ، فأمر به فدفن ، وانتقل أبو عبد الله إلى دار أخيه أبي يوسف ، فأخذ ما فيها ، والجوهر في جملته ، ولم يحصل من مال أخيه على طائل ، فإن أكثره انكسر على الناس ، وذهبت نفس أخيه .