الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر استيلاء ابن رائق على أمر العراق وتفرق البلاد

لما رأى الراضي وقوف الحال عنده ، ألجأته الضرورة إلى أن راسل أبا بكر محمد بن رائق وهو بواسط ، يعرض عليه إجابته إلى ما كان بذله من القيام بالنفقات وأرزاق الجند ببغداذ ، فلما أتاه الرسول بذلك فرح به ، وشرع يتجهز للمسير إلى بغداذ ، فأنفذ إليه الراضي الساجية ، وقلده إمارة الجيش ، وجعله أمير الأمراء ، وولاه الخراج والمعاون في جميع البلاد والدواوين ، وأمر بأن يخطب له على جميع المنابر ، وأنفذ إليه الخلع .

[ ص: 53 ] وانحدر إليه أصحاب الدواوين والكتاب والحجاب ، وتأخر الحجرية عن الانحدار ، فلما استقر الذين انحدروا إلى واسط ، قبض ابن رائق على الساجية سابع ذي الحجة ، ونهب رحلهم ومالهم ودوابهم ، وأظهر أنه إنما فعل ذلك لتتوفر أرزاقهم على الحجرية ، فاستوحش الحجرية من ذلك وقالوا : اليوم لهؤلاء وغدا لنا ، وخيموا بدار الخليفة ، فأصعد ابن رائق إلى بغداذ ومعه بجكم ، وخلع الخليفة عليه أواخر ذي الحجة ، وأتاه الحجرية يسلمون عليه ، فأمرهم بقلع خيامهم ، فقلعوها وعادوا إلى منازلهم .

وبطلت الدواوين من ذلك الوقت ، ( وبطلت الوزارة ) ، فلم يكن الوزير ينظر في شيء من الأمور ، إنما كان ابن رائق وكاتبه ينظران في الأمور جميعها ، وكذلك كل من تولى إمرة الأمراء بعده ، وصارت الأموال تحمل إلى خزائنهم فيتصرفون فيها كما يريدون ، ويطلقون للخليفة ما يريدون ، وبطلت بيوت الأموال ، وتغلب أصحاب الأطراف ، وزالت عنهم الطاعة ، ولم يبق للخليفة غير بغداذ وأعمالها ، والحكم في جميعها لابن رائق ليس للخليفة حكم .

وأما باقي الأطراف فكانت البصرة في يد ( ابن رائق ، وخوزستان في يد ) البريدي .

وفارس في يد عماد الدولة بن بويه .

وكرمان في يد أبي علي محمد بن إلياس .

والري وأصبهان في يد ركن الدولة بن بويه ويد وشمكير أخي مرداويج يتنازعان عليها ، والموصل وديار بكر ومضر وربيعة في يد بني حمدان ، ومصر والشام في يد محمد بن طغج .

والمغرب وإفريقية في يد أبي القاسم القائم بأمر الله بن المهدي العلوي ، وهو الثاني منهم ، ويلقب بأمير المؤمنين ، والأندلس في يد عبد الرحمن بن محمد الملقب بالناصر الأموي ، [ ص: 54 ] وخراسان وما وراء النهر في يد نصر بن أحمد الساماني .

وطبرستان وجرجان في يد الديلم .

والبحرين واليمامة في يد أبي طاهر القرمطي .

التالي السابق


الخدمات العلمية