الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر مسير باديس إلى زناتة

في هذه السنة ، منتصف صفر ، أمر باديس بن المنصور ، صاحب إفريقية ، نائبه محمد بن أبي العرب بالتجهز والاستكثار من العساكر والعدد ، والمسير إلى زناتة .

وسبب ذلك أن عمه يطوفت كتب إليه يعلمه أن زيري بن عطية الملقب بالقرطاس ، وقد تقدم ذكره ، نزل عليه بتاهرت محاربا ، فأمر محمدا بالتجهز إليه ، فسار في عساكر كثيرة حتى وصل إلى أشير ، وبها حماد بن يوسف عم باديس ، كان قد أقطعه إياها باديس ، فرحل حماد معه ، فوصل إلى تاهرت ، واجتمعا بيطوفت ، وبينهم وبين زيري بن عطية مرحلتان ، فزحفوا إليه ، فكانت بينهما حروب عظيمة .

وكان أكثر عسكر حماد يكرهونه لقلة عطائه ، فلما اشتد القتال انهزموا ، فتبعهم جميع العسكر ، فأراد محمد بن أبي العرب أن يرد الناس ، فلم يقدر على ذلك ، وتمت الهزيمة ، وملك زيري بن عطية مالهم وعددهم ورجعت العساكر إلى أشير .

وبلغ خبر الهزيمة إلى باديس ، فرحل ، فلما قارب طبنة بعث في طلب فلفل بن سعيد ، فخاف فأرسل يعتذر إليه ، وطلب عهدا بإقطاع مدينة طبنة ، فكتب له ، وسار باديس ، فلما أبعد قصد فلفل مدينة طبنة ، وغلب على ما حولها ، وقصد باغاية فحصرها ، وباديس سائر إلى أشير . فلما سمع زيري بن عطية بأنه قد قرب منه رحل إلى تاهرت ، فقصده باديس ، فسار زيري إلى العرب . فلما سمع باديس برحيله استعمل عمه يطوفت على أشير ، وأعطاه أموالا وعددا ، وعاد إلى أشير ، فبلغه ما [ ص: 509 ] فعل فلفل بن سعيد ، فأرسل إليه العساكر ، وبقي يطوفت ومعه أعمامه وأولاد أعمامه ، فلما أبعد عنهم باديس عصوا ، وخالفوا عليه ، منهم ماكسن ، وزاوي وغيرهما ، وقبضوا على يطوفت ، وأخذوا جميع ما معه من المال ، فهرب من أيديهم وعاد إلى باديس .

وأما فلفل بن سعيد فإنه لما وصل إليه العسكر ( المسير إلى قتاله لقيهم ) وقاتلهم وهزمهم ، وقتل فيهم ، وسار يطلب القيروان . فسار عند ذلك باديس إلى باغاية ، فلقيه أهلها ، فعرفوه ما قاسوه من قتال فلفل ، وأنه حصرهم خمسة وأربعين يوما ، فشكرهم ، ووعدهم الإحسان ، وسار يطلب فلفلا ، فوصل إلى مرمجنة ، وسار فلفل إليه في جمع كثير من البربر وزناتة ، ومعه كل من في نفسه حقد على باديس وأهل بيته ، فالتقوا بوادي أغلان وكان بينهم حرب عظيمة لم يسمع بمثلها ، وطال القتال بينهم ، وصبر الفريقان ، ثم أنزل الله تعالى نصره على باديس وصنهاجة ، وانهزم البربر وزناتة هزيمة قبيحة ، وانهزم فلفل فأبعد في الهزيمة ، وقتل من زويلة تسعة آلاف قتيل سوى من قتل من البربر ، وعاد باديس إلى قصره ، وفرح أهل القيروان لأنهم خافوا أن يأتيهم فلفل .

ثم إن عمومة باديس اتصلوا بفلفل ، وصاروا معه على باديس ، فلما سمع باديس بذلك سار إليهم ، فلما وصل قصر الإفريقي وصله أن عمومته فارقوا فلفلا ، ولم يبق معه سوى ماكسن بن زيري ، وذلك أول سنة تسعين وثلاثمائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية